للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما شريكته من السنة فبأحاديث متعددة منها. عن عمران بن حصين: "أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً في يده حلقة من صفر فقال: ما هذه؟ " ١.

قلت: في قوله "ما هذه" مستفهماً أبين دليل على أنه لا يعلم الغيب إلا الله، قال تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} . [الأنعام: ٥٩] . قلت: في قوله تعالى: {مَفَاتِحُ} . فائدة جليلة وذلك أنه تعالى قال: {مَفَاتِحُ الْغَيْبِ} ولم يقل مفاتيح الغيب، لأن المفاتح جمع مفتح وهو الذي يفتح به المخزن، ومعلوم بالضرورة أن من ملك المخزن قدر على فتحه بأي نوع كان وليس من ملك المفتاح قدر على المخزن، فالله سبحانه عنده مفاتح الغيب كلها، قال تعالى: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} . [النمل: ٦٥] . قال تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} . [الجن: ٢٦، ٢٧] .

قال صاحب الكشاف: في هذه الآية إبطال الكرامات٢، وأجيب بأن قوله: على غيبه لفظ مفرد ليس فيه صيغة العموم فيكفي أن يقال أن الله لا يظهر على غَيْبٍ وَاحِدٍ من غيوبه أحداً إلا الرسل فيحمل على وقت وقوع القيامة وكيف وقد ذكرها عقيب قوله: {أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ} . [الأنبياء: ١٠٩] . وتعقب بأنه ضعيف لأن الرسل أيضاً لم يُظْهَرُوا على ذلك.


١ أخرجه أحمد (٤/٤٤٥) من حديث عمران بن حصين.
٢ كَلاًّ، لكن فيها إبطال المخاريق، والدَّعاوي الكاذبة، ومعلوم أن إنكار الكرامات هو مذهب المعتزلة، وهو باطل، ردَّ عليه العلماء، وانظر: "شرح الطحاوية: ٥٦٢".

<<  <   >  >>