للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالقول فلا يتكلمون ولا يشفعون إلا لمن أذن له فهم خلف سرادق الهيبة خاضعون خاشعون حتى إذا قضى الله الأمر في السماء لم يثبتوا عند سماع كلام الحق ولم يطيقوا فهمه ابتداء، بل خضعت وفزعت وضربت بأجنحتها وصعقت وسجدت فإذا فزع عن قلوبهم وجلي نهم الفزع قالوا حينئذ: ماذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير، فهذه حالهم عند تكلمه تعالى بالوحي، إما وحي كلامه الذي يبعث به رسله كما أنزل القرآن، وإما أمره الذي يقضي به من أمر كونه فذلك حاصل في أمر التشريع وأمر التكوين ولهذا قال تعالى: {وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ} . [سبأ: ٢٣] . وحتى غاية يكون ما بعدها داخلاً فيما ما قبلها ليست بمنزلة إلى التي قد يكون ما بعدها خارج عما قبلها كما في قوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} . [البقرة: ١٨٧] . وحتى سواء كانت حرف عطف أو حرف جر يتضمن ذلك وما بعدها يكون النهاية التي ينبه بها على ما قبلها فتقول: قدم الحاج حتى المشاة، فقدوم المشاة تنبيه على قدوم الركاب، وتقول: أكلت السمكة حتى رأسها، فأكل رأسها تنبيه على أكل غيره، فإن كل رؤوس السمك قد تبقى في العادة فهذه الآية أخبر الله تعالى فيها أنه ليس لأحد غيره ملك ولا شرك في الملك ولا معاونة له ولا شفاعة إلا بعد إذنه، قال تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} . [سبأ: ٢٢، ٢٣] . ثم قال سبحانه: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ} . [سبأ: ٢٣] . والضمير في قولهم عن قلوبهم يعود إلى ما دل عليه قوله من أذن له ودل عليه قوله: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ} . [سبأ: ٢٢] . فإن الملائكة تدخل في ذلك، فسلبهم

<<  <   >  >>