باب في بيان ما يدل على أنه لا يهدي الهداية الجامعة للعلم والعمل والتعليم والصبر إلا الله من الكتاب والسنة
أما الكتاب فقول الله تعالى:{إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}[القصص: ٥٦] . قلت: فإذا كان الخطاب للرسول المبعوث المأمور بالتبليغ فكيف غيره؟ فإن قلت: كيف ذلك وكان شأنه ودأبه منذ بعث إلى أن مات هداية الناس إلى الصراط المستقيم؟ قلت: الهداية تتعدى بنفسه تارة وبإلى تارة وباللام تارة وكل له معنى معلوم، فمن المعدى بنفسه {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} ، وقوله {وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً} ، ومن المعدى بإلى قوله تعالى:{وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} . [الشورى: ٥٢] . وقوله:{إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} . [الأنعام: ١٦١] . ومن المعدى باللام قوله تعالى عن أهل الجنة:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا} . [الأعراف: ٤٣] . وقوله:{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} . [الإسراء: ٩] . المتعدي بإلى للإيصال إلى الغاية المطلوبة، وباللام لذلك مع إفادة التخصيص، وبنفسه للهداية التامة الجامعة للعلم والعمل والتعليم والثبات كما ذكر الله في سورة العصر:{وَالْعَصْرِ إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} . [العصر: ١-٣] .
قال ابن القيم: فمتى عدي بإلى تضمن الإيصال إلى الغاية المطلوبة.
قلت: ليس معنى قوله: الإيصال إلى الغاية الهداية التامة؛ لأن الإيصال إلى الغاية لا يشمل الدخول في الغاية كما في قوله تعالى:{أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} . [البقرة: ١٨٧] . أما ترى أن الليل ليس بداخل في