للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شرح الباب ٥٩

باب ما جاء في بيان أن منكري القدر قد خالفوا الكتاب والسنة، واتبعوا أهوائهم وأنهم في ضلال مبين وما لهم على الله إلا مجرد دعوة الشيطان كما قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ} . [إبراهيم: ٢٢] . فقد بين الله تعالى أنه يخاطبهم بأنهم تبعوه بلا سلطان بل أن دعاهم إلى الباطل فاستجابوا له إما بمخالفتهم الكتاب فقوله تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} . [الحديد: ٢٢] . أي نخلقها، وقوله تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} . [الأنعام: ٣٨] . قال البغوي: أي في اللوح المحفوظ، وقوله تعالى: {وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ} . [القمر: ٥٣] . وقوله تعالى: {يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} . روي عن عمر أنه كان يطوف ويبكي ويقول: اللهم إن كنت كتبتني من أهل السعادة فاثبتني فيها، وإن كنت كتبتني في أهل الشقاوة فامحني واثبتني في أهل السعادة فإنك تمحو ما تشاء وتثبت، ومعلوم بالضرورة أن المحو لم يكن إلا بعد الكتابة والقرينة عليه قوله تعالى: {وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} . فإنه ورد في الحديث الثابت عنه صلى الله عليه وسلم قال: " إن أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب، قال: وماذا أكتب؟ قال: أكتب مقادير كل شيء فجرى القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة" ١.

وقال ابن عمر: والذي نفس ابن عمر بيده لو كان لأحدهم مثل أحد ذهباً ثم أنفقه في سبيل الله ما قبله الله منه


١ أخرجه أحمد (٥/٣١٧) وأبو داود (٤٧٠٠) والترمذي (٢١٥٥) وابن أبي عاصم في السنة (١٠٣) من طرق من حديث عبادة بن الصامت مرفوعاً.

<<  <   >  >>