للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الناس كانوا حينئذ ساكنين هادئين. وهذا قد يرجع إلى المعنى الأول، أي لم يقو التشتت والاختلاف بينهم".

فلننظر كيف لخص بيان الحق: نقل الحديث بلفظ "طوبى لمن مات في نأنأة الإسلام" ثم قال: "أي أول الإسلام قبل أن يقوى الإسلام. وأصل النأنأة: الضعف، ورجل نأنأ ضعيف. وإنما قال لأول الإسلام: النأنأة لأنه كان والناس ساكنون هادئون، لم تهج بينهم الفتن، ولم تشتت كلمتهم، فكأنه لم يقو التشتت والاختلاف" (١) .

المأخذ الأول هنا: أن بيان الحق نقل الحديث بلفظ "نأنأة الإسلام" والذي ورد في كتاب أبي عبيد: "النأنأة" بدون إضافة، وكذا في كتب الغريب الأخرى (٢) . ثم خلط بين قولين، وجعل تأويل القول الثاني وهو "لم يقو التشتت.." علة للقول الأول وهو "قبل أن يقوى الإسلام" مع أنهما في كلام أبي عبيد قولان مختلفان، والقول الأول موافق لمعنى الكلمة في اللغة واضح لا يحتاج إلى تأويل، أما القول الثاني فتلطف أبو عبيد لتأويله إلى معنى القول الأول، ولذلك قال: "وهذا قد يرجع إلى المعنى الأول"، فاستعمل "قد" ومن هنا قال بيان الحق: "فكأنه"، ولكن غفل بعد ذلك عن عدم ملاءمة تعليله هذا لما قال في أول الكلام "قبل أن يقوى الإسلام".

والجدير بالذكر أن الأزهري حينما نقل الحديث المذكور وكلام أبي عبيد في تفسيره لم يلتفت إلى القول الثاني. وكذلك صاحب الغريبين. وإنما أشار


(١) جمل الغرائب: ٤٠-٤١.
(٢) الغريبين ٦: ١٧٩٧. الفائق ٣: ٣٩٩. التهذيب في اللغة ١٥: ٥٤٣.

<<  <   >  >>