حصر جهود الكاتبين في نطاق تدوين القرآن الكريم دون الحديث، فلما تميّز القرآن ورسخت معرفة الصحابة به، وأمِن صلى الله عليه وسلم عليهم خلطهم غيره به أذن لهم في الكتابة، فكتب بعضهم صحائف وكتباً لأنفسهم، وكتب هو صلى الله عليه وسلم بعض الكتب والمكاتبات الكثيرة التي كان يبعث بها لإبلاغ هذا الدين، وهمّ قُبَيْل موته أن يكتب كتاباً للناس لا يضلون بعده أبداً.
فلما توفي صلى الله عليه وسلم كثر عدد من يكتب الحديث من الصحابة والتابعين، وأحجم آخرون عن ذلك تورعاً بسبب النهي الوارد، واستمر الأمر على ذلك، بعضهم يكتب، وبعضهم لا يكتب. إلى أن جاء عهد الخليفة الزاهد عمر بن عبد العزيز، الذي دعا إلى جمع السنة وتدوينها. قال البخاري في كتاب العلم: باب كيف يقبض العلم:٣٤: وكتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر بن حزم – عامله على المدينة-: "انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبه؛ فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء"، وبدعوته انتهى الخلاف في كتابة الحديث.
واستقر الأمر على استحباب كتابة الحديث، وبعهده ابتدأ التدوين الرسمي الشامل للأحاديث، الذي يقصد به جمع شتات الأحاديث وما تفرق منها في صحائف العلماء ومحفوظاتهم في كتابٍ واحدٍ يتداوله عامة الناس، فكان "أول من دوّن الحديث ابن شهاب الزهري (ت ١٢٤هـ) على رأس المائة الأولى بأمر عمر بن عبد العزيز"(١) ، ثم انتشر التدوين وأخذ صفة العموم في هذا القرن -أعني القرن الثاني – ولم يزل التدوين يقوى ويشتد، حتى بلغ