ثم لو فرضنا أحدا يتبعهم إذ ذاك لكان من السابقين، فحاصله أن التابعين لا يمكنهم اتباع جميع السابقين، وأيضا فإن معرفة قول جميع السابقين كالمتعذر، وأيضا فإنهم إنما استحقوا منصب الإمامة بكونهم هم السابقين، وهذه صفة موجودة في كل واحد منهم، فوجب أن يكون إماما للمتقين كما استوجب الرضوان والجنة.
وأما قولهم: ليس فيها ما يوجب اتباعهم، فنقول: الآية تقتضي الرضوان عمن اتبعهم بإحسان، وقد قام الدليل على أن القول في الدين بغير علم حرام، فلا يكون اتباعهم قولا بغير علم، بل قولا بعلم، وهو المقصود، وحينئذ فسواء يسمى تقليدا أو اجتهادا.
وأيضا فإن كان تقليد العالم للعالم حراما كما هو قول الشافعية والحنابلة فاتباعهم ليس بتقليد، لأنه مرضي، وإن كان تقليدهم جائزا أو مستثنى من التقليد المحرم، فلم يقل أحد إن تقليد العلماء من موجبات الرضوان، فعلم أن تقليدهم خارج عن هذا، لأن تقليد العالم وإن كان جائزا فتركه إلى قول غيره أو إلى اجتهاد جائز بالاتفاق، والشيء المباح لا يستحق به الرضوان، وأيضا فإن رضوان الله غاية المطالب ولا ينال إلا بأفضل الأعمال، ومعلوم أن التقليد ليس بأفضل الأعمال، بل الاجتهاد أفضل منه، فعلم أن اتباعهم هو أفضل ما يكون في مسألة اختلفوا فيها هم ومن بعدهم، وأن اتباعهم دون من بعدهم هو الموجب لرضوان الله، فلا ريب أن رجحان أحد القولين يوجب اتباعه، وقولهم أرجح بلا شك.