ولفظ (سبيل المؤمنين) لا يمكن توزيعه على أفراد الأمة وأفراد المؤمنين، بخلاف لفظ (السابقين) فإنه يتناول كل فرد من السابقين.
وأيضا فالآية تعم اتباعهم مجتمعين ومنفردين في كل ممكن، فمن اتبع جماعتهم إذا اجتمعوا، واتبع آحادهم فيما وجد عنهم مما لم يخالفه فيه غيره منهم، فقد صدق عليه أنه اتبع السابقين، أما من خالف بعض السابقين فلا يصح أن يقال اتبع السابقين، لوجود مخالفته لبعضهم، لا سيما إذا خالف هذا مرة وهذا مرة. وبهذا يظهر الجواب عن اتباعهم إذا اختلفوا، فإن اتباعهم هناك قول بعض تلك الأقوال باجتهاد واستدلال، إذ هم مجتمعون على تسويغ كل واحد من الأقوال لمن أدى اجتهاده إليه، فقد قصد اتباعهم أيضا.
أما إذا قال قولا ولم يخالفه غيره فلا يعلم أن السابقين سوغوا خلاف ذلك القول. وأيضا فالآية تقتضي اتباعهم مطلقا، فلو فرضنا أن الطالب عثر على نص يخالف قول أحد منهم، فقد علمنا أنه لو ظفر بذلك النص لم يعدل عنه، أما إذا رأينا رأيا، فقد يجوز أن يخالف ذلك الرأي.
وأيضا فلو لم يكن اتباعهم إلا فيما أجمعوا عليه، لم يحصل اتباعهم إلا فيما قد علم أنه من دين الإسلام بالاضطرار، لأن السابقين الأولين خلق عظيم، ولم يعلم أنهم أجمعوا إلا على ذلك، فيكون هذا الوجه هو الذي قبله، وقد تقدم بطلانه، إذ الاتباع في هذا غير مؤثر.
وأيضا فجميع السابقين قد مات منهم أناس في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحينئذ فلا يحتاج في ذلك إلى اتباعهم للاستغناء عنه بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم.