للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ} ١ الآية، فسألوه عن سبب ظهور الهلال خفيا، ثم لا يزال يتزايد فيه النور على التدريج، حتى يكمل، ثم يأخذ في النقصان، فأجابهم عن حكمة ذلك من ظهور مواقيت الناس التي بها تمام مصالحهم في أحوالهم ومعاشهم، ومواقيت أكبر عباداتهم، وهو الحج، فإن كانوا قد سألوا عن السبب، فقد أجيبوا بما هو أنفع لهم مما سألوا عنه، وإن كانوا إنما سألوا عن حكمة ذلك، فقد أجيبوا عن عين ما سألوا عنه، ولفظ سؤالهم محتمل، فإنهم قالوا: ما بال الهلال يبدو دقيقا، ثم يأخذ في الزيادة حتى يتم، ثم يأخذ في النقص؟

ومن فقه المفتي إذا سأله عن شيء فمنعه أن يدله على ما هو عوض منه، ورأيت شيخنا يتحرى ذلك في فتاويه، وقد منع النبي صلى الله عليه وسلم بلالا أن يشتري صاعا من التمر الجيد بصاعين من الرديء، ثم دله على الطريق المباح. ولما سأله عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث، والفضل بن عباس أن يستعملهما في الزكاة، ليصيبا ما يتزوجان به، منعهما من ذلك، وأمر محمية ابن جزء - وكان على الخمس - أن يعطيهما منه، وهذا اقتداء منه بربه تبارك وتعالى، فإنه يسأله عبده الحاجة، فيمنعه إياها، ويعطيه ما هو أصلح له، وهذا غاية الكرم والحكمة.

وينبغي أن ينبهه على ما يذهب إليه الوهم من خلاف الصواب، مثال هذا: قوله تعالى لنساء نبيه صلى الله عليه وسلم: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ


١ سورة البقرة آية: ١٨٩.

<<  <   >  >>