[الثالث: طريقتهم فيما لم يرد نفيه ولا إثباته مما تنازع الناس فيه.]
كالجسم، والحيز، والجهة ونحو ذلك، فطريقتهم فيه التوقف في لفظه، فلا يثبتونه ولا ينفونه، لعدم وروده، وأما معناه فيستفصلون عنه، فإن أريد به باطل ينزه الله عنه ردوه، وإن أريد به حق لا يمتنع على الله قبلوه.
ومما ينبغي التنبيه عليه هنا أن أهل السنة والجماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم يؤمنون بأن جميع صفات الله جل وعلا الثابتة في الكتاب والسنة صفات حقيقية، لا مجازية.
فهم يعتقدون أن الظاهر المتبادر من لفظ الصفة معنى حقا يليق بجلال الله تعالى، فيثبتون المعنى الذي يدل عليه لفظ الصفة الوارد في الكتاب أو السنة، فمثلاً يثبتون المعنى الذي يدل عليه لفظ "العزة" في قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ} ، وهذا المعنى هو:"القدرة والغلبة"، وكذلك يثبتون المعنى الذي يدل عليه لفظ "استوى" في قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ، وهذا المعنى هو:"العلو والاستقرار" كما سيأتي بيانه عند الكلام على صفة الاستواء - إن شاء الله تعالى -، وهكذا بقية الصفات؛ لأن الله تعالى خاطب عباده في كتابه بلسان عربي مبين، والنبي صلى الله عليه وسلم خاطب أمته بألفاظ عربية صريحة، فوجب إثبات المعنى الحقيقي الذي يدل عليه اللفظ الوارد في القرآن أو السنة في لغة العرب، وهذا هو مقتضى الإيمان بهما ومقتضى الانقياد لما جاء فيهما.
وبهذا يعلم بطلان مذهب المفوضة الذين يقولون: نؤمن بالصفات الواردة في النصوص، لكن لا نثبت المعنى الذي يدل عليه لفظ الصفة، وإنما نفوض علم معناه إلى الله تعالى، وهذا مذهب حادث بعد القرون المفضلة، والسلف بريؤون منه، فقد تواترت الأقوال عن السلف بإثبات معاني الصفات، وتفويضهم الكيفية إلى علم الله عز وجل.