والذي حبس الفيل عن مكة هو الله سبحانه، وإذن فالله هو الذي حبس ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديبية ليقضي الله أمراًً كان مفعولاً.
وحين أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الأمر أصدر التصريح الذي غير به موقفه الأول إلى ذلك الموقف السمح المتجاوب، فكان له الأثر الفعال في نجاح الصلح حيث كان الجانب الإيجابي في مقابل سلبيات قريش.
(ب) السبب في انصياع قريش للصلح:
أما السبب الذي ألجأ قريشاً لقبول الصلح والرضا به، فيرجع إلى بيعة الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم مع ملابسات أخرى، وتوضيح ذلك:
لما هب الصحابة رضوان الله عليهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعوه على القتال حتى يفتح الله عليهم أو يموتوا كان قد حضر ذلك المشهد بعض رسل قريش، فأذهلهم الأمر ثم نقلوا تلك الصورة إلى قومهم، فأحدثت في أنفسهم هزة عنيفة جعلت منهم آذاناً صاغية لقبول الصلح، فقد جاء في مرسل عروة بن الزبير عند البيهقي ما نصه:"ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البيعة ونادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا إن روح القدس قد نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بالبيعة فاخرجوا على اسم الله، فبايعوا فثاب المسلمون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو تحت الشجرة، فبايعوه على ألا يفروا أبداً، فرعبهم الله فأرسلوا من كانوا ارتهنوا من المسلمين، ودعوا إلى الموادعة والصلح"١.
فهذا النص يبرز لنا مدى تأثير البيعة في نفوس المشركين.
وقد عزز أثر تلك البيعة ملابسات أخرى من قبل رسل المشركين أنفسهم:
فعروة بن مسعود حين رجع إلى قريش عظم لهم شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكره لهم من أفعال الصحابة ما يبرهن على أنهم لن يسلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم لشيء أبداً وأنهم سيبذلون نفوسهم دونه، ثم نصح قريشاً بقبول الهدنة، وأن يخلوا بين المسلمين وما جاءوا له.
فقد جاء في حديث المسور ومروان من رواية معمر ما نصه:
"فرجع عروة إلى أصحابه فقال أي قوم والله لقد وفدت على قيصر وكسرى
١ دلائل النبوة ٢، لوحة ٢٢٨، وتقدم الكلام على سنده، انظر حديث رقم (٦٥) .