لي مهجته، كان أطوع لي من كفي، وكنت أذل له من نعله، أتكلم بكلامه فينطق بلساني، إن قلت خيراً أعانني، وإن ملت إلى سيئ ردعني، كان والله إذا قال فعل، وإذا حدث صدق، وإذا أؤتمن لم يخن، ضاحك السن، مسفر الوجه، كان إذا غاب فكأنه شاهدي، وإذا غبت عنه فكأنه يراني، لا ينطق لسانه بخلاف ما يضمر جنانه، لا يدري أينا أسر بصاحبه، ولا أينا أصدق مودة بخليطه، آنس ما كنا إذا اجتمعنا، وأوحش ما كنا إذا افترقنا، ما تفرقنا طول صحبتنا إلا يوماً حسبناه حولاً، أغبط ما كنا إذ رمى الهر فلم يشق إذ رمى من كل روحه روحي، ونفسه أعز علي من نفسي، فليته أصابني وأخطأه، وإذا لم يخطئه أصابني معه، فيكون موتنا معاً كما كان عيشنا معاً، مات فمات الوفاء بعده، خاب الرجاء فما ألذ بعده طعاماً، ولا أسيغ شراباً، غماً له، واكتئاباً عليه، وشوقاً إليه، فلو كنت أقول الشعر لرثيته آخر الدهر، ولأتعبت بالقوافي الكاتبين، فبليت بعده بمن إذا أحببته أبغضني، وإن وددته عاداني، وإن أقبلت نحوه ولى عني، فهو كالذئب والغراب، ما للذئب يناله الغراب، وما للغراب فالذئب لا يطمع فيه، حسبك به غادراً، تراه عن الوفاء مبطئاً، وإلى الخيانة مهملجاً.
قال أرسطو طاليس في رسالة أفدناها أبو سليمان: تعهد الإخوان بإحياء الملاطفة، فإن التارك متروك، ثم تعهد إخوان الإخوان، فإن