إذا كانت نصوص التاريخ التفصيلية عن نزوح بقايا مسلمي الأندلس إلى المغرب الأقصى وتونس تعوزنا، مع قرب عهد هذا النزوح من عصرنا الحاضر، فإن الأخبار الواصلة إلينا عن هجرة مسلمي صقلية إلى إفريقية التونسية بعد استيلاء النرمان على الجزيرة - سنة ٤٨٦ هـ - تكاد أن تكون معدومة بالمرة.
وغاية ما يقال أن عدد اللاجئين من أهالي صقلية إلى المدائن التونسية - في مدة خمسين سنة - كان لا محالة وافرًا جِدًّا ولا يقل عن خمسين ألف شخص على أقل تقدير، من بينهم فلاحين عارفين أثرياء، وتجار مياسير، وعلماء مبرزين مثل الإمام المحدث اللغوي الكاتب البليغ (عمر بن خلف بن مكي الصقلي) الذي تولى القضاء بمدينة تونس على عهد بني خراسان، ومنهم أدباء مجودون مثل الشاعر الطائر الصيت (عبد الجبار بن حمديس) الذي مدح أواخر ملوك صنهاجة بالمهدية، وغيره وغيره مما لا يكاد يحصى عددًا.