للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ويرد على هذا الرأي: أنه تقدم عند الحديث على جمع القرآن في عهد أبي بكر -رضي الله عنه- أنهم لم يكتبوا فيه إلا ما نقل بالتواتر، ولم تنسخ تلاوته، واستقر في العرضة الأخيرة، والصحابة -رضي الله عنهم- حينما نسخوا المصاحف نسخوها على هذا الأساس، وهم في هذا غير تاركين ولا مهملين لشيء من القرآن، بل هم متبعون ما ثبت لديهم بالدليل القاطع أنه من القرآن، وقد صحت الروايات بأن الأحرف السبعة نسخ منها الكثير في حياة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بدليل أن ما لم تتحقق فيه الأركان الثلاثة للقراءة الصحيحة يحكم عليه بأنه شاذ، مع أن الشاذ كان يقرأ به في أول الأمر ثم نسخ. وفي الأدلة التي سنذكرها للمذهب الثالث ما يرد على هذا المذهب.

الرأي الثالث:

إن هذا المصاحف كانت مشتملة على ما يحتمله رسمها من الأحرف السبعة فقط، جامعة للعرضة الأخيرة التي عرضها النبي -صلى الله عليه وسلم- على جبريل عليه السلام.

وهو رأي جمهور العلماء من السلف والخلف وأئمة المسلمين١.

قال الإمام ابن الجزري:

"ولا نشك أن القرآن نسخ منه وغير فيه في العرضة الأخيرة، فقد صح النص بذلك عن غير واحد من الصحابة، وروينا بإسناد صحيح عن زر بن حبيش قال: قال لي ابن عباس: أي القراءتين تقرأ؟ قلت: الأخيرة: قال: فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يعرض القرآن٢ على جبريل -عليه السلام- في كل عام مرة. قال: فعرض عليه القرآن في العام الذي قبض فيه النبي --صلى الله عليه وسلم-- مرتين، فشهد عبد الله -يعني ابن مسعود- ما نسخ منه وما بدل، فقراءة عبد الله الأخيرة٣.

وإذ قد ثبت ذلك فلا إشكال أن الصحابة كتبوا في هذه المصاحف ما تحققوا أنه قرآن، وما علموه استقر في العرضة الأخيرة، وما تحققوا صحته عن النبي


١ النشر "١/ ٣١".
٢ أي: يقرأ على جبريل ما نزل عليه من القرآن.
٣ النشر "١/ ٣٢".

<<  <   >  >>