النسيان والجهل، فقالوا: إن ترك التسمية ناسياً حلت الذبيحة، وإن تركها جاهلا لم تحل، كما فرق أصحابنا بين الذبيحة والصيد، فقالوا في الذبيحة كما ترى، وقالوا في الصيد: إن ترك التسمية عليه لم يحل سواء تركها عالما ذاكرا أم جاهلاً ناسيا.
القول الثالث: أنها لا تحل سواء ترك التسمية عالما ذاكرا أم جاهلا ناسيا، وهو إحدى الروايتين عن أحمد قدمه في الفروع، واختاره أبو الخطاب في خلافه وشيخ الإسلام ابن تيمية وقال: إنه قول غير واحد من السلف.
وهذا هو القول الصحيح؛ لقوله تعالى ـ:(وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ)(الأنعام: ١٢١) ، وهذا عام، لقول النبي صلى الله عليه وسلم ((ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا)) (١) ، فقرن بين إنهار الدم وذكر اسم الله على الذبيحة في شرط الحل، فكما أنه لو لم ينهر الدم ناسيا أو جاهلا لم تحل الذبيحة، فكذلك إذا لم يسم؛ لأنهما شرطان قرن بينهما النبي صلى الله عليه وسلم في جملة واحدة، فلا يمكن التفريق بينهما إلا بدليل صحيح، ولأن التسمية شرط وجودي، والشرط الوجودي لا يسقط بالنسيان كما لو صلى بغير وضوء ناسيا، فإن صلاته لا تصح، وكما لو رمى صيدا بغير تسمية ناسيا، فإن الصيد لا يحل عند المفرقين بين الذبيحة والصيد، كما لو ذبح بغير تسمية جاهلا، فإن الذبيحة لا تحل عند المفرقين بين الجهل والنسيان، مع الجهل عذر مقرون بالنسيان في الكتاب والسنة ومساو له، وربما يكون أحق بكونه عذرا؛ كجهل حديث العهد بالإسلام الذي لم يمض عليه زمن يتمكن من العلم.
فإن قيل: ما الجواب عن قوله تعالى: (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا)(البقرة: ٢٨٦) ، وقد فعل سبحانه وتعالى، وقوله تعالى:(وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُم)(الأحزاب: ٥) والجاهل مخطئ، والناسي لم يتعمد قلبه، وقد رفع الله عنهما المؤاخذة والجناح.
قلنا: الجواب: أننا نقول بمقتضى هاتين الآيتين الكريمتين ولا نعدو قول ربنا، فمن ترك التسمية على الذبيحة ناسيا أو جاهلا فلا مؤاخذة عليه ولا جناح، لكن لا يلزم من انتفائهما عنه حل ذبيحته، فإن حل ذبيحته أثر