حكم وضعي حيث إنه مرتب على شرط يوجد بوجوده وينتفى بانتفائه، وأما المؤاخذة والجناح فهما أثر حكم تكليفي من شرطه الذكر والعلم، فلذلك انتفيا بانتفائهما.
يوضح ذلك: أنه لو صلى بغير وضوء ناسيا فلا مؤاخذة عليه ولا جناح، ولا يلزم من انتفائهما عنه صحة صلاته، فصلاته باطلة وإن كان ناسيا لفقد شرطها الوجودي وهو الوضوء.
ويوضح ذلك أيضا: أنه لو ذبحها في غير محل الذبح ناسيا أو جاهلا فلا مؤاخذة عليه ولا جناح، ولا يلزم من انتفائهما عنه حل ذبيحته، فذبيحته حرام لفقد شرطها الوجودي، وهو إنهار الدم في محل الذبح.
فإن قيل: ما الجواب عما ثبت في صحيح البخاري وغيره من حديث عائشة رضي الله عنها: أن قوما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن قوما يأتوننا بلحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا؟ فقال:((سموا عليه أنتم وكلوه)) قالت: وكانوا حديثي عهد بالكفر (١) .
قلنا: الجواب: أننا نقول بمقتضى هذا الحديث، وأنه لو أتانا من تحل ذكاته من مسلم أو كتابي بلحم حل لنا أكله وإن كنا لا ندري هل ذكر اسم الله عليه أو لا، لأن الأصل في التصرفات الواقعة من أهلها الصحة حتى يقوم دليل الفساد، ولسنا مخاطبين بفعل غيرنا، وإنما نخاطب بفعلنا نحن، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك حيث قال:((سموا عليه أنتم وكلوه)) كأنه يقول: أنتم مخاطبون بالتسمية عند فعلكم وهو الأكل، فسموا عليه، وأما الذبح والتسمية عليه فمخاطب به غيركم، فعليكم ما حملتم وعليهم ما حملوا، وليس يعني أن تسميتكم هذه تغني عن التسمية على الذبح، وذلك لأن الذبح قد فات.
وليس في الحديث دليل على سقوط التسمية بالجهل، ولا على أنها ليست بشرط لحل الذبيحة؛ لأنه ليس فيه أنهم تركوا التسمية فأحل لهم النبي صلى الله عليه وسلم اللحم، وإنما فيه أنهم لا يدرون أذكروا اسم الله عليه أم لا، والأصل أن الفعل وقع على الصحة، بل قد يقال: إن في الحديث دليلا على أن
(١) رواه البخاري، كتاب الذبائح والصيد، باب ذبيحة الأعراب ونحوهم، رقم (٥٥٠٧)