للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أو يوافقه من كلام أهل الكتاب والصابئين والمشركين، فالقرآن فيه تفصيل كل شيء، كما قال تعالى: {وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ} ١، ومعلوم أن الأمة مأمورة بتبليغ القرآن لفظه ومعناه، وتبليغه لغير العرب بالترجمة. وإذا تدبر المؤمن العليم سائر مقالات الفلاسفة وغيرهم من الأمم وجد القرآن والسنة كاشفا لأحوالهم، مبينا لحقهم، مميزا بين حق ذلك وباطله، والصحابة أعلم الخلق به، وهم أقوم الخلق بجهاد الكفار والمنافقين، كما قال ابن مسعود: "من كان مستنا فليستن بمن مات؛ فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة. أولئك أصحاب محمد كانوا أبر هذه الأمة قلوبا، وأعمقها علما، وأقلها تكلفا، قوما اختارهم الله لصحبة نبيه، ولإقامة دينه، فاعرفوا لهم حقهم، وتمسكوا بهديهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم".

فأخبر عنهم بكمال بر القلوب مع كمال عمق العلم، وهذا قليل في المتأخرين كما يقال: من العجائب فقيه صوفي، وعالم زاهد، فإن أهل بر القلوب يقترن بهم كثير لعدم المعرفة التي توجب النهي عن الشر، والجهاد، ٢ وأهل التعمق في العلم قد يذكرون من معرفة الشرور والشبهات ما يوقعهم في الغي والضلال. وأكثر المتعمقين في العلم من المتأخرين يقترن به التكلف المذموم من المتكلمين والمتعبدين، وهو القول والعمل بلا علم، وطلب ما لا يدرك، خلافا لما عليه الصحابة، وهذا منٌّ من الله على هذه الأمة، كما في أثر المسيح " أهب لهم من علمي وحلمي"، وهذا من خواص متابعة الرسول، فمن كان له أتبع كان فيه أكمل،


١ سورة يوسف آية: ١١١.
٢ لعلها الفساد.

<<  <   >  >>