للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أو المقصود ببيان الكلام حصول البيان للقلب، والذي لا يستبين له فهو كما قال: {وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمىً} ١، وقال: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} ٢، وقوله: {قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي} ٣. فأما الأشياء المعلومة التي ليس في زيادة وصفها إلا كثرة كلام وتفيهق وتشدق، والتكلم والإفصاح بما يستقبح ذكره، فهذا مما ينهى عنه، كقوله: "إن الله يبغض البليغ من الرجال الذي يتخلل بلسانه كما تخلل البقرة بلسانها " ٤. وفي الحديث: "الحياء والعي شعبتان من الإيمان، والبذاء والبيان شعبتان من النفاق" ٥.

وأما متى أدخل أحدهما الحد ما أخرجه الآخر أو بالعكس، فهذا علم يستفاد به حد الاسم، ومعرفة عمومه وخصوصه، مثل الكلام في حد الخمر هل هو عصير العنب المشتد أو كل مسكر، وحد الغيبة، ونحو ذلك. وقوله: "الكبر بطر الحق"، وغمط الناس، فقوله: "كل مسكر خمر، وكل خمر حرام" لم يذكره للاستدلال على منازع بهذا التركيب، بل أراد أن يبين لهم أن جميع المسكرات داخلة في مسمى الخمر، فهو كقوله في حديث أبي موسى، لما سئل عن أنواع فقال: "كل مسكر حرام" ٦، فأراد أن يبين لهم بالكلمة الجامعة، وهي القضية الكلية أن كل مسكر خمر، ثم جاء بما كانوا يعلمونه من أن كل خمر حرام ليثبت تحريم المسكر في قلوبهم، كما صرح به في قوله: "كل مسكر حرام"، ولو اقتصر على قوله: "كل مسكر حرام" لتأوله متأول على أنه أراد القدح الآخر كما تأوله بعضهم، ولهذا قال أحمد: قوله: "كل مسكر خمر" أبلغ؛ فإنهم لا يسمون القدح


١ سورة فصلت آية: ٤٤.
٢ سورة النساء آية: ١٧٦.
٣ سورة الأنعام آية: ٥٧.
٤ الترمذي: الأدب (٢٨٥٣) , وأبو داود: الأدب (٥٠٠٥) .
٥ الترمذي: البر والصلة (٢٠٢٧) , وأحمد (٥/٢٦٩) .
٦ البخاري: المغازي (٤٣٤٣) , ومسلم: الأشربة (١٧٣٣) , والنسائي: الأشربة (٥٥٩٥ ,٥٥٩٧ ,٥٦٠٢ ,٥٦٠٣ ,٥٦٠٤) , وأبو داود: الأشربة (٣٦٨٤) , وابن ماجه: الأشربة (٣٣٩١) , وأحمد (٤/٤١٠ ,٤/٤١٥ ,٤/٤١٧) , والدارمي: الأشربة (٢٠٩٨) .

<<  <   >  >>