الخير فيقصده ويعمل له كان خاسرا بترك التصديق بالحق وطلب الخير، فكيف إذا كذب بالحق وكره إرادة الخير؟ فكيف إذا صدق بالباطل وأراد الشر؟ فذكر ابن مسعود أن لقلب ابن آدم لمة من الملك ولمة من الشيطان، فلمة الملك تصديق بالحق، وهو ما كان من جنس الاعتقاد الصحيح، وإيعاد بالخير، وهو ما كان من جنس إرادة الخير. ولمة الشيطان من جنس الاعتقاد الفاسد، وهو التكذيب بالحق وإيعاد بالشر، وهو ما كان من جنس إرادة الشر وظن وجوده، إما مع رجائه إن كان مع هوى النفس، وإما مع خوفه إن كان غير محبوب لها؛ وكل من الرجاء والخوف مستلزم للآخر. فمبدأ العلم والحق والإرادة الصالحة من لمة الملك، ومبدأ الاعتقاد الباطل والإرادة الفاسدة من لمة الشيطان، قال تعالى:{الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ} ، وقال:{إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ} أي يخوفكم أولياءه، وقال:{وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ} الآية. والشيطان وسواس خناس، إذا ذكر العبد ربه خنس، وإذا غفل عن ذكره وسوس، فلهذا كان ذكر الله سببا ومبدأ لنُزول العلم والحق والإرادة الصالحة في القلب، وكانت الغفلة عن ذكر الله سببا ومبدأ لنُزول الاعتقاد الباطل والإرادة الفاسدة في القلب.
ومِنْ ذكر الله تعالى تلاوة كتابه، وفهمه، ومذاكرة العلم كما قال معاذ:"ومذاكرته تسبيح".
وتنازع أهل الكلام في حصول العلم في القلب عقيب النظر في الدليل، وقال بعضهم: