ذلك على سبيل التولد، وقال آخرون: بل يفعله الله. والنظر إما متضمن للعلم، وإما موجب له، وهذا صحيح بناء على أن الله معلم كل علم، لكنه مجمل ليس فيه بيان السبب الخاص المضاف إلى الملائكة في الجملة؛ فإن الله سبحانه يدبر أمر السماء والأرض بملائكته التي هي السفراء في أمره، ولفظ الملائكة يدل على ذلك، وبذلك أخبرت الأنبياء، وشهد الكتاب والسنة من ذلك بما لا يتسع له هذا الموضع، ولكن يعلم أن المبدأ في شعور النفس وحركاتها هم الملائكة والشياطين. فالملك يلقي التصديق بالحق والأمر بالخير، والشيطان يلقي التكذيب بالحق، والأمر بالشر. والتصديق والتكذيب مقرون بالنظر، كما أن الأمر والنهي مقرون بالإرادة، فإذا كان النظر في دليل هادٍ كالقرآن وسلم من معارضات الشياطين تضمن العلم والهدى؛ ولهذا أمر العبد بالاستعاذة عند القراءة. وإذا كان النظر في دليل مضل، والناظر يعتقد صحته بأن يكون مقدمتاه أو إحداهما متضمنة للباطل أو يكونان صحيحين لكن التأليف غير مستقيم، صار في القلب به اعتقاد فاسد، وهو غالب الشبهات المخالفة للكتاب والسنة. وإذا كان الناظر لا بد له من متصور فيه، والنظر في نفس المتصور المطلوب حكمه لا يفيد علما، بل ربما حصل له بسببه أنواع من الشبهات يحسبها أدلة لفرط تعطش القلب إلى معرفة حكم تلك المسألة. وأما النظر المفيد للعلم هو ما كان في دليل هادٍ، والدليل الهادي على العموم هو كتاب الله وسنة نبيه. فالذي جاءت به الشريعة من نوعي النظر هو ما ينفع، وهو بذكر الله وما نزل من الحق؛ فإذا أراد النظر في الأدلة المطلقة من غير تعيين مطلوب