للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أصل لكل علم وذكر في القلب. والقرآن يعطي العلم المفصل فيزيد الإيمان، كما قال جندب: "تعلمنا الإيمان، ثم تعلمنا القرآن فازددنا إيمانا". ولهذا كان أول ما نزل: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} ، فأمره أن يقرأ باسمه فتضمن الأمر بذكر الله، وبما أنزل من الحق، وقال: {بِاسْمِ رَبِّكَ} إلى قوله {مَا لَمْ يَعْلَمْ} : ذكر سبحانه أنه خلق أكرم الأعيان الموجودة عموما وخصوصا، وهو الإنسان، وأنه المعلم للعلم عموما وخصوصا للإنسان، وذكر التعليم بالقلم لأنه آخر المراتب يستلزم تعلم القول والعلم الذي في القلب.

وحقيقة الأمر أن العبد مفتقر إلى ما يسأله من الهدى، فبذكر الله والافتقار إليه يهديه الله، كما قال: "يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته" ١، وكما في حديث الاستفتاح: "اللهم رب جبرائيل ... "إلخ.

ولا بد أن يكون عند الناظر من العلم الثابت ما لا يحتاج إلى نظر، فيكون أصلا للتفكر الذي يطلب به معلوم آخر، ولهذا كان الذكر متعلقا بالله والتفكر في مخلوقاته، وفي الأثر: "تفكروا في المخلوقات، ولا تفكروا في الخالق"، لأن التفكير في الأمثال والمقاييس، وذلك يكون في الأمور المتشابهة، وهي المخلوقات، وأما الخالق جل جلاله وسبحانه وتعالى فليس له شبيه، فالتفكير الذي مبناه على القياس ممتنع فيه، وإنما هو معلوم بالفطرة، فيذكره العبد، وبذلك يحصل من العلم به أمور عظيمة، أعني العلم به نفسه؛ ولهذا كان كثير من أرباب العبادة يأمرون بملازمة الذكر، ويجعلونه باب الوصول إلى الحق، وهذا حسن إذا ضموا إليه اتباع القرآن والسنة واتباع ذلك. وكثير من أرباب النظر يأمرون به، ويجعلونه الطريق إلى معرفة الحق. والنظر صحيح إذا كان في دليل حق، فكل من الطريقين فيها حق، لكن يحتاج إلى الحق التي في الأخرى، ويجب


١ مسلم: البر والصلة والآداب (٢٥٧٧) , والترمذي: صفة القيامة والرقائق والورع (٢٤٩٥) , وابن ماجه: الزهد (٤٢٥٧) , وأحمد (٥/١٥٤ ,٥/١٦٠ ,٥/١٧٧) .

<<  <   >  >>