يقول ابن سعدي:" يُخبر الله - تعالى - أنه لو شاء لجعل الناس أُمة واحدة على الدين الإسلامي فإن مشيئته غير قاصرة ولا يمتنع عليه شيء ولكنه اقتضت حكمته ألا يزالوا مختلفين مخالفين للصراط المستقيم متّبعين للسبل الموصلة إلى النار كلٌّ يرى الحق فيما قاله والضلالة في قول غيره، وقوله سبحانه:{إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} ، فهداهم إلى العلم بالحق والعمل به والاتفاق عليه، فهؤلاء سبقت لهم سابقة السعادة وتداركتهم العناية الربانية والتوفيق الإلهي، وأما من عداهم فهم مخذولون موْكولون إلى أنفسهم، وقوله سبحانه:{وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} ، قال: أي اقتضت حكمته أنه خلقهم ليكون منهم السعداء والأشقياء والمتفقون والمختلفون والفريق الذي هدى الله والفريق الذي حقت عليهم الضلالة ليتبين للعباد عدله وحكمته وليظهر ما كمن من الطباع البشرية من الخير والشر ولتقوم سوق الجهاد والعبادات التي لا تتم ولا تستقيم إلا بالامتحان والابتلاء "(١) .