القاعدة العاشرة اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية المفترض في كل متناظرين أنهما طالبا حق، لكن قد يخفى الحق عليهما أو على أحدهما، والخفاء قد يكون سببه خفاء الدليل أو الدلالة، فيختلفان فتقع بينهما المناظرة، وقد تنكشف المناظرة ولا يتفقان على قول واحد، لكنهما مستصحبان للنية الأولى وهي طلب الحق. فهذا الاختلاف لا يقطع حبل المودة بينهما، ولا يعكر على القلوب صفاءها، فضلًا عن التنابذ والتدابر ونحو ذلك.
ولقد ضرب لنا سلفنا أمثلة شامخة في هذا الباب، من ذلك:
١-ما قاله يونس الصدفي (٢٦٤هـ) قال: ما رأيت أعقل من الشافعي؛ ناظرته يومًا في مسألة ثم افترقنا، ولقيني فأخذ بيدي، ثم قال:(يا أبا موسى، ألا يستقيم أن نكون إخوانًا، وإن لم نتفق في مسألة) ؟!
٢-ما رواه ابن عبد البر عن العباس بن عبد العظيم العنبري قال: كنت عند أحمد بن حنبل وجاءه علي بن المديني راكبًا على دابة، قال: فتناظرا في الشهادة، وارتفعت أصواتهما حتى خفت أن يقع بينهما جفاء، وكان أحمد يرى الشهادة، وعلي يأبى ويدفع، فلما أراد علي الانصراف، قام أحمد فأخذ بركابه.