في خبر موصول واحد فقيل:{أَلَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ مِهَاداً}{نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً}{خَلَقَ الأَزْوَاجَ كُلَّهَا} كانت كلها في حكم جملة واحدة فلما غاير بين الجمل بذكر الاسم الموصول مع كل جملة دل على أن المقصود وصفه بكل من هذه الجمل على حدتها وهذا قريب من باب قطع النعوت والفائدة هنا كالفائدة في ثم وقد تقدمت الإشارة إليها فراجعها بل قطع النعوت إنما كان لأجل هذه الفائدة فذلك المقدر في النعوت المقطوعة لهذا المحقق في النعوت المعطوفة فالحمد لله على ما من وأنعم فإنه ذو الطول والإحسان وقوع الشدة بين رحمتين.
تتمة: تأمل كيف وقع الوصف بشديد العقاب بين صفة رحمة قبله وصفة رحمة بعده فقبله {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ} وبعده {ذِي الطَّوْلِ} ففي هذا تصديق الحديث الصحيح وشاهد له وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله كتب كتابا فهو موضوع عنده فوق العرش إن رحمتي تغلب غضبي" رواه البخاري ومسلم وفي لفظ": سبقت غضبي " وقد سبقت صفة الرحمة هنا وغلبت وتأمل كيف افتتح الآية بقوله: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ} والتنزيل يستلزم علو المنزل من عنده لا تعقل العرب من لغتها بل ولا غيرها من الأمم السليمة الفطرة إلا ذلك وقد أخبر أن تنزيل الكتاب منه فهذا يدل على شيئين أحدهما علوه تعالى على خلقه والثاني أنه هو المتكلم بالكتاب المنزل من عنده لا غيره فإنه أخبر أنه منه وهذا يقتضي أن يكون منه قولا كما أنه منه تنزيلا فإن غيره لو كان هو المتكلم به لكان الكتاب من ذلك الغير فإن الكلام فإنما يضاف إلى المتكلم به ومثل هذا {وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي} ومثله: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ} ومثله: {تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} فاستمسك بحرف من في هذه المواضع فإنه يقطع حجج شعب المعتزلة والجهمية وتأمل كيف قال: {تَنْزِيلٌ مِنَ} ولم يقل تنزيله فتضمنت الآية إثبات علوه ومكانه وثبوت الرسالة ثم قال: {الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} فتضمن هذان الاسمان صفتي القدرة والعلم وخلق أعمال العباد