يمنعه مطلقا وينشد البيت منصوبا فيقول كله لم أصنع والصواب إنشاده بالرفع محافظة على النفي العام الذي أراده الشاعر وتمدح به عند أم الخيار ولو كان منصوبا لم يحصل له مقصوده من التمدح فإنه لم يفعل ذلك الذنب ولا شيئا منه بل يكون المعنى لم أفعل كل الذنب بل بعضه وهذا ينافي غرضه ويشهد لصحة قول سيبويه قراءة ابن عباس في سورة الحديد:{أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} فهذا يدل على أن حذف العائد جائز وأنه غير قبيح ومن هذا على أحد القولين: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتاً أَوْ نَهَاراً مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ} أجاز الزجاج أن تكون الجملة ابتدائية وقد حذف العائد من يستعجل وتقديره يستعجله منه المجرمون كما يحذف من الصلة والصفة والحال إذا دل عليه دليل ودعوى قبح حذفه من الخبر مما لا دليل عليها وللكلام في تقرير هذه المسألة موضع آخر والمقصود أن إنشاد البيت بالنصب محافظة على عدم الحذف إخلال شديد بالمعنى وأما إذا تقدم النفي وقلت لم أصنع كله ولم أضرب كلهم كأنك لم تتعرض للنفي عن كل فرد فرد وإنما نفيت فعل الجميع ولم تنف فعل البعض ألا ترى أن قولك لم أصنع الكل مناقض لقولك صنعت الكل والإيجاب الكلي يناقضه السلب الجزئي ألا ترى إلى قولهم لم أرد كل هذا فيما إذا فعل ما يريده وغيره فتقول لم أرد كل هذا ولا يصح أن تقول كل هذا لم أرده فتأمله فهذا تقرير هذه المسألة وقد أغناك عن ذلك التطويل المتعب القليل الفائدة.
فصل:
واعلم أن كلا من ألفاظ الغيبة فإذا أضفته إلى المخاطبين جاز لك أن تعيد المضمر عليه بلفظ الغيبة مراعاة للفظه وأن تعيده بلفظ الخطاب مراعاة لمعناه فتقول كلكم فعلتم وكلكم فعلوا