من الكتاب فقد أوضحت فيه معنى الحال وبرح الإشكال قلت: كلا بل زدت الإشكال إشكالا وليس معنى الآية ما ذهبت إليه وإنما لسانا عربيا حال من كتاب وصح انتصاب الحال عنه مع كونه نكرة لكونه قد وصف والنكرة إذا وصفت انتصب عنها الحال لتخصصها بالصفة كما يصح أن يبتدئ بها وأما قوله: إن المعنى مصدق لك فلا ريب أنه مصدق له ولكن المراد من الآية أنه مصدق لما تقدم من كتب الله تعالى كما قال: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ} وقال: {ألم اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} وقال: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ} أفلا ترى كيف اطرد في القرآن وصف الكتاب بأنه مصدق لما بين يديه وقال: وباتفاق الناس أن المراد مصدق لما تقدمه من الكتب وبهذه الطريق يكون مصدقا للنبي صلى الله عليه وسلم ويكون أبلغ في الدليل على صدقه من أن يقال هذا كتاب مصدق لك فإنه إذا كانت الكتب المتقدمة تصدقها وتشهد بصحة ما فيها مما أنزله الله من غير مواطأة ولا اقتباس منها دل على أن الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم صادق كما أن الذي جاء بها كذلك وأن مخرجهما من مشكاة واحدة ولهذا قال النجاشي حين قرئ عليه القرآن: "إن هذا والذي جاء به موسى يخرج من مشكاة واحدة" يعني فإذا كان موسى صادقا وكتابه حق فهذا كذلك إذ من المحال أن يخرج شيئان من مشكاة واحدة ويكون أحدهما باطلا محضا والآخر حقا محضا فإن هذا لا يكون إلا مع غاية التباين والتنافر فالقرآن صدق الكتب المتقدمة وهي بشرت به وبمن جاء به فقام الدليل على صدقه من الوجهين معا من جهة بشارة من تقدمه به ومن جهة تصديقه ومطابقته له فتأمله ولهذا كثيرا ما يتكرر هذا المعنى في القرآن إذ في ضمنه الاحتجاج على الكتابيين بصحة صلى الله عليه وسلم بهذه الطريق وهي حجة أيضا