إذا عرف هذا فالحكم في طلبه عند اللقاء دون غير من الدعاء أن عادة الناس الجارية بينهم أن يحيي بعضهم بعضا عند لقائه وكل طائفة لهم في تحيتهم ألفاظ وأمور اصطلحوا عليها وكانت العرب تقول في تحيتهم بينهم في الجاهلية أنعم صباحا وأنعموا صباحا فيأتون بلفظة أنعموا من النعمة بفتح النون وهي طيب العيش والحياة ويصلونها بقولهم صباحا لأن الصباح في أول النهار فإذا حصلت فيه النعمة استصحب حكمها واستمرت اليوم كله فخصوها بأوله إيذانا بتعجيلها وعدم تأخرها إلى أن يتعالى النهار وكذلك يقولون أنعموا مساء فإن الزمان هو صباح ومساء فالصباح في أول النهار إلى بعض انتصافه والمساء من بعد انتصافه إلى الليل ولهذا يقول الناس صبحك الله بخير ومساك الله بخير فهذا معنى أنعم صباحا ومساء إلا أن فيه ذكر الله وكانت الفرس يقولون في تحيتهم هزا رساله ميمايي أي تعيش ألف سنة وكل أمة لهم تحية من هذا الجنس أو ما أشبهه ولهم تحية يخصون بها ملوكهم من هيئات خاصة عند دخولهم عليهم كالسجود ونحوه وألفاظ خاصة تتميز بها تحية الملك من تحية السوقة وكل ذلك مقصودهم به الحياة ونعيمها ودوامها ولهذا سميت تحية وهي تفعلة من الحياة كتكرمة من الكرامة لكن أدغم المثلان فصار تحية فشرع الملك القدوس السلام تبارك وتعالى لأهل الإسلام تحية بينهم سلام عليكم وكانت أولى من جميع تحيات الأمم التي منها ما هو محال وكذب نحو قولهم تعيش ألف سنة وما هو قاصر المعنى مثل أنعم صباحا ومنها ما لا ينبغي إلا لله مثل السجود فكانت التحية بالسلام أولى من ذلك كله لتضمنها السلامة التي لا حياة ولا فلاح إلا بها فهي الأصل المقدم