الرحمة المستغاث بها هي صفة الرب تعالى لا شيء من مخلوقاته كما أن المستعيذ بعزته في قوله أعوذ بعزتك مستعيذ بعزته التي هي صفته لا بعزته التي خلقها يعز بها عباده المؤمنين وهذا كله يقرر قول أهل السنة إن قول النبي صلى الله عليه وسلم:"أعوذ بكلمات الله التامات " يدل على أن كلماته تبارك وتعالى غير مخلوقة فإنه لا يستعاذ بمخلوق وأما قوله تعالى حكاية عن ملائكته: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً} فهذه رحمة الصفة التي وسعت كل شيء كما قال تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} وسعتها عموم تعلقها بكل شيء كما أن سعة علمه تعالى عموم تعلقه بكل معلوم.
فصل:
وأما البركة: فكذلك نوعان أيضا أحدهما: بركة هي فعله تبارك وتعالى والفعل منها بارك ويتعدى بنفسه تارة وبأداة على تارة وبأداة في تارة والمفعول منها: مبارك وهو ما جعل كذلك فكان مباركا بجعله تعالى والنوع الثاني: بركة تضاف إليه إضافة الرحمة والعزة والفعل منها تبارك ولهذا لا يقال لغيره ذلك ولا يصلح إلا له عز وجل فهو سبحانه المبارك وعبده ورسوله كما قال المسيح عليه السلام: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ} فمن بارك الله فيه وعليه فهو المبارك وأما صفته تبارك فمختصة به تعالى كما أطلقها على نفسه بقوله: {تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}{تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ}{فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}{وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}{تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ}{تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذَلِكَ}{تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً} أفلا تراها كيف اطردت في القرآن جارية عليه مختصة به لا تطلق على غيره وجاءت على بناء السعة والمبالغة كتعالى وتعاظم ونحوهما فجاء بناء تبارك على بناء تعالى الذي هو دال على كمال العلو ونهايته فكذلك تبارك