للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

عن أبي سعيد الخدري: "أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد اشتكيت فقال: نعم فقال: باسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك من شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك بسم الله أرقيك" فعوذه جبريل من شر كل نفس وعين حاسد لما اشتكى فدل على أن هذا التعويذ مزيل لشكايته صلى الله عليه وسلم وإلا فلا يعوذه من شيء وشكايته من غيره قالوا وأما الآيات التي استدللتم بها لا حجة لكم فيها أما قوله تعالي عن الكفار أنهم قالوا: {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا رَجُلاً مَسْحُوراً} وقوله قوم صالح له: {إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ} فقيل: المراد به من له سحر وهي الرئة أي أنه بشر مثلهم يأكل ويشرب ليس بملك ليس المراد به السحر وهذا جواب غير مرض وهو في غاية البعد فإن الكفار لك يكونوا يعبرون عن البشر بمسحور ولا يعرف هذا في لغة من اللغات وحيث أرادوا هذا المعنى أتوا بصريح لفظ البشر فقالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا أنؤمن لبشر مثلنا أبعث الله بشرا رسولا وأما المسحور فلم يريدوا به ذا السحر وهي الرئة وأي مناسبة لذكر الرئة في هذا الموضع ثم كيف يقول فرعون لموسى: {إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُوراً} أفتراه ما علم أنه له سحرا وأنه بشر ثم كيف يجيبه موسى بقوله: {وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً} ولو أراد بالمسحور أنه بشر لصدقه موسى وقال: نعم أنا بشر أرسلني الله إليك كما قالت الرسل لقومهم لما قالوا لهم: {إِنْ أَنْتُمْ إِلاّ بَشَرٌ مِثْلُنَا} فقالوا {إِنْ نَحْنُ إِلاّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} ولم ينكروا ذلك فهذا الجواب في غاية الضعف وأجابت طائفة منهم ابن جرير وغيره بأن المسحور هنا هو معلم السحر الذي قد علمه إياه غيره فالمسحور عنده بمعنى ساحر أي عالم بالسحر وهذا جيد إن ساعدت عليه اللغة وهو أن من علم السحر يقال له مسحور ولا يكاد هذا يعرف في الإستعمال ولا في اللغة وإنما المسحور من سحره غيره كالمطبوب والمضروب والمقتول وبابه: وأما من علم السحر فإنه يقال له ساحر بمعنى أنه عالم بالسحر وإن لم يسحره غيره كما قال قوم فرعون لموسى: {إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ} ففرعون قذفه بكونه مسحورا وقومه قذفوه بكونه ساحرا فالصواب هو الجواب الثالث

<<  <  ج: ص:  >  >>