وهو جواب صاحب الكشاف وغيره إن المسحور على بابه وهو من سحر حتى جن فقالوا مسحور مثل مجنون زائل العقل لا يعقل ما يقول فإن المسحور الذي لا يتبع هو الذي فسد عقله بحيث لا يدري ما يقول فهو كالمجنون ولهذا قالوا فيه معلم مجنون فأما من أصيب في بده بمرض من الأمراض يصاب به الناس فإنه لا يمنع ذلك من اتباعه وأعداء الرسل لم يقذفوهم بأمراض الأبدان وإنما قذفوهم بما يحذرون به سفهاءهم من اتباعهم وهو أنهم قد سحروا حتى صاروا لا يعلمون ما يقولون بمنزلة المجانين ولهذا قال تعالى:{انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً} مثلوك بالشاعر مرة والساحر أخرى والمجنون مرة والمسحور أخرى فضلوا في جميع ذلك ضلال من يطلب في تيهه وتحيره طريقا يسلكه فلا يقدر عليه فإن أي طريق أخذها فهي طريق ضلال وحيرة فهو متحير في أمره لا يهتدي سبيلا ولا يقدر على سلوكها فهكذا حال أعداء رسول الله صلى الله عليه وسلم معه حتى ضربوا له أمثالا برأه الله منها وهو أبعد خلق الله منها وقد علم كل عاقل أنها كذب وافتراء وبهتان وأما قولكم إن سحر الأنبياء ينافي حماية الله تعالى لهم فإنه سبحانه كما يحميهم ويصونهم ويحفظهم ويتولاهم فيبتليهم بما شاء من أذى الكفار لهم ليستوجبوا كمال كرامته وليتسلى بهم من بعدهم من أممهم وخلفائهم إذا أوذوا من الناس فرأوا ما جرى على الرسل والأنبياء صبروا ورضوا وتأسوا بهم ولتمتلئ صاع الكفار فيستوجبون ما أعد لهم من النكال العاجل والعقوبة الآجلة فيمحقهم بسبب بغيهم وعداوتهم فيعجل تطهير الأرض منهم فهذا من بعض حكمته تعالى في ابتلاء أنبيائه ورسله بإيذاء قومهم وله الحكمة البالغة والنعمة السابغة لا إله غيره ولا رب سواه.