فتعيينها بالقرعة بخلاف المنسية. قلت: لا ريب أن بين المسألتين فرقا ولكن الشأن في تأثيره ومنعه من إلحاق إحداهما بالآخرى فإن صح تأثير الفرق بطل هذا الدليل المعين ولا يلزم من بطلان دليل معين بطلان الحكم إلا أن لا يكون لهم دليل سواه ونحن لم نحتج بهذا الدليل أصلا حتى يلزم بطلان ما ذكرناه وإن بطل تأثير الفرق وجب إلحاق إحدى الصورتين بالآخرى ونحن نبين بحمد الله أن هذا الفرق ملغى فنقول: إذا قال لنسائه إحداكن طالق فإما أن ينفذ الطلاق على واحدة منهن عقب إيقاعه أو لا يقع إلا بتعيينه والثاني باطل لأن التعيين ليس بسبب صالح للتطليق فلا يصح أضافه الطلاق إليه فيتعين أن الطلاق استند إلى واحدة في إيقاعه أولا فقد وقع بواحدة منهن ولا بد والأقوال هنا ثلاثة:
أحدها: أنه يملك تعيين المطلقة فيمن شاء وهذا قول الشافعي وأبي حنيفة.
القول الثاني: أنه تطلق عليه الجميع وهذا قول مالك ومن وافقه.
القول الثالث: أنه يخرج المطلقة بالقرعة وهذا مذهب أحمد وهو قول علي وابن عباس ولا يعرف لهما مخالف في الصحابة وبه قال الحسن البصري وأبو ثور وغيرهما وهو الصحيح من الأقوال فإن طلاق الأربع مع كون اللفظ غير صالح له والإرادة غير متناوله له مخالفة للأصول وإيقاع الطلاق من غير سببه وقد تقدم الكلام على مأخذ هذا القول وما فيه فلا نعيده وعلى هذا القول فلا قرعة ولا تعيين وإنما الكلام على قولي القرعة والتعيين فنقول: القول بالقرعة أصح وإذا كان القول بها أصح في هذه المسألة فالقول بها في مسألة المنسية أولى فهذان مقامان بهما يتم الكلام في المسألة فأما المقام الأول فيدل عليه أن القرعة قد ثبت لها اعتبار في الشرع كما قدمناه وهي أقرب إلى العدل وأطيب للقلوب وأبعد عن تهمة الغرض والميل بالهوى إذ لولاها لزم أحد الأمرين إما الترجيح بالميل والغرض وإما التوقف وتعطيل الانتفاع وفي كل منهما من الضرر ما لا خفاء به فكانت القرعة من محاسن هذه الشريعة وكمالها وعموم مصالحها.