للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكن أمركم باستقبال غيرها أولا لحكمة في ذلك وهو أن يعلم سبحانه من يتبع الرسول ويدور معه حيثما دار ويأتمر بأوامره كيف تصرفت وهو العالم بكل شيء ولكن شاء أن يعلم معلومه الغيبي عيانا مشاهدا فتميز بذلك الراسخ في الإيمان المسلم للرسول المنقاد له ممن يعبد الله تعالى على حرف فينقلب على عقبة بأدنى شبهة.

فهذا من بعض حكمه في أن جعل القبلة الأولى غير الكعبة فلم يشرع ذلك سدى ولا عبثا ثم أخبر سبحانه أنه كما جعل لهم أوسط الجهات قبلة بتعبدهم فكذلك جعلهم أمة وسطا فاختار القبلة الوسط في الجهات للأمة الوسط في الأمم ثم ذكر أن هذا التفضيل والاختصاص ليستشهدهم على الأمم فيقبل شهادتهم على الخلائق يوم القيامة ثم أجاب تعالى عما سأل عنه المؤمنون من صلاتهم إلى القبلة الأولى وصلاة من مات من إخوانهم قبل التحويل فقال: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} وفيه قولان: أحدهما: ما كان ليضيع صلاتكم إلى بيت المقدس بل يجازيكم عليها لأنها كانت بأمره ورضاه، والثاني: ما كان ليضيع إيمانكم بالقبلة الأولى وتصديقكم بأن الله شرعها ورضيها وأكثر السلف والخلف على القول الأول وهو مستلزم للقول الآخر الحكمة في نسخ الاستقبال لبيت المقدس.

ثم ذكر منته على رسوله واطلاعه على حرصه على تحويله عن قبلته الأولى فقال: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} ثم أخبر تعالى عن أهل الكتاب بأنهم يعلمون أنه الحق من ربهم ولم يذكر للضمير مفسرا غير ما في السياق وهو الأمر باستقبال المسجد الحرام وأن أهل الكتاب عندهم من علامات هذا النبي صلى الله عليه وسلم أن يستقبل بيت الله الذي بناه إبراهيم في صلاته.

ثم أخبر تعالى عن شدة كفر أهل الكتاب بأنهم لو أتاهم الرسول بكل آية ما تبعوا قبلته ففي ذلك التسلية له وتركهم وقبلتهم ثم برأه من قبلتهم فقال: {وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ} ثم ذكر اختلافهم في القبلة وأن كل طائفة منهم لا تتبع الطائفة الأخرى لأن القبلة من خواص الدين وأعلامه وشعائره الظاهرة فأهل كل دين لا يفارقون قبلتهم إلا أن يفارقوا دينهم فأخبر تعالى في هذه

<<  <  ج: ص:  >  >>