للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

الجمل الثلاث بثلاث إخبارات تتضمن براءة كل طائفة من قبله الطائفة الأخرى وتتضمن الأخبار بأن أهل الكتاب لو رأوا كل آية تدل على صدق الرسول لما تبعوا قبلته عنادا وتقليدا لآبائهم وأنهم إن اشتركوا في خلاف القبلة الحق منهم مختلون مختلفون في باطلهم فلا تتبع طائفة قبلة الأخرى فهم متفقون على خلاف الحق في اختيار الباطل وفي هذه الآية أيضا ثبيت للرسول والمؤمنين على لزوم قبلتهم وأنه لا يشتغل بما يقوله أهل الكتاب ارجعوا إلى قبلتنا فنتبعكم على دينكم فإن هذا خداع ومكر منهم فإنهم لو رأوا كل آية تدل على صدقك ما تبعوا قبلتك لأن الكفر قد تمكن من قلوبهم فلا مطمع للحق فيها ولست أيضا بتابع قبلتهم فليقطعوا مطامعهم من موافقتك لهم وعودك إلى قبلتهم وكذلك هم أيضا مختلفون فيما بينهم فلا يتبع أحد منهم قلبة الآخر فهم مختلفون في القبلة ولستم أيها المؤمنون موافقين لأحد منهم في قبلته بل أكرمكم الله بقبلة غير قبلة هؤلاء المختلفين اختارها الله لكم ورضيها وأكد تعالى هذا المعنى بقوله: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ} فهذا كله تثبيت وتحذير من موافقتهم في القبلة وبراءة من قبلتهم كما هم براء من قبلتك وكما بعضهم بريء من قبله بعض فأنتم أيها المؤمنون أولى بالبراءة من قبلتهم التي أكرمكم الله تعالى بالتحويل عنها ثم أكد ذلك بقوله: {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} ثم أخبر تعالى عن اختصاص كل أمة بقبلتهم فقال: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا} وأصح القولين أن المعنى هو متوجه إليها أي موليها وجهه فالضمير راجع إلى كل، وقيل إلى الله اي الله موليها إياه وليس بشيء لأن الله لم يول القبلة الباطلة أبدا ولا أمر النصارى باستقبال الشرق قط بل هم تولوا هذه القبلة من تلقاء أنفسهم وولوها وجوههم وقوله: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} مشعر بصحة هذا القول أي إذا كان أهل الملل قد تولوا الجهات فاستقبوا أنتم الخيرات وبادروا إلى ما اختاره الله لكم ورضيه وولاكم إياه ولا تتوقفوا فيه {أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً} يجمعكم من الجهات المختلفة

<<  <  ج: ص:  >  >>