والأقطار المتباينة إلى موقف القيامة كما تجتمعون من سائر الجهات إلى جهة القبلة التي تؤمونها فهكذا تجتمعون من سائر أقطار الأرض إلى جهة الموقف الذي يؤمه الخلائق وهذا نظير قوله تعالى:{لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَات} المرجع إلى الله تعالى. وأخبر أن مرجعهم إليه عند إخباره بتعدد شرائعهم ومنها هجم كما ذكر ذلك بعينه عند إخباره بتعدد وجهتهم وقبلتهم فقال:{وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَات أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً} وتحت هذا سر بديع يفهمه من يفهمه وهو أنه عند الاختلاف في الطرائق والمذاهب والشرائع والقبل يكون أقربها إلى الحق ما كان أدل على الله وأوصل إليه لأن مرجع الجميع إليه يوم القيامة وحده وإن اختلفت أحوالهم وأزمنتهم وأمكنتهم فمرجعهم إلى رب واحد وإله واحد فهكذا ينبغي أن يكون مرد الجميع ورجوعهم كلهم إليه وحده في الدنيا فلا يعبدون غيره ولا يدينون بغير دينه إذ هو إلههم الحق في الدنيا والآخرة فإذا كان أكثر الناس قد أبي ذلك إلا كفورا وذهابا في الطرق الباطلة وعبادة غيره وإن دانوا غير دينه فاستبقوا أنتم أيها المؤمنين للخيرات وبادروا إليها ولا تذهبوا مع الذين يسارعون في الباطل والكفر فتأمل هذا السر البديع في السورتين يوم الفصل والبعث.
وفي قوله:{فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} سر آخر أيضا وهو أن هذا الاختلاف دليل على يوم الفصل وهو اليوم الذي يفصل الله تعالى فيه بين الخلائق ويبين لهم حقيقة ما اختلفوا فيه فنفس الاختلاف دليل على يوم الفصل والبعث وقد أوضح ذلك قوله تعالى في سورة النحل: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ} فذكر تعالى حكمتين بالغتين في بعثة الأموات بعدما أماتهم:
إحداهما: أن يبين للناس الذي اختلفوا فيه وهذا بيان عياني تشترك فيه الخلائق كلهم والذي حصل في الدنيا بيان إيماني اختص به بعضهم.
الحكمة الثانية: علم المبطل بأنه كان كاذبا وإن كان على باطل وأن نسبة أهل الحق إلى الباطل من افترائه وكذبه وبهتانه