للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} على أن في هاتين الآيتين أسرارا بديعة ذكرتها في كتاب التحفة المكية في بيان الملة الإبراهيمية فأثمر لهم فكرهم الصحيح في خلق السموات والأرض أنه لم يخلقها باطلا وأثمر لهم الإيمان بالله ورسوله ودينه وشرعه وثوابه وعقابه والتوسل إليه بطاعته والإيمان به وهذا الذي ذكرناه في هذا الفصل قطرة من بحر لا ساحل له فلا تستطله فإنه كنز من كنوز العلم لا يلائم كل نفس ولا يقبله كل محروم والله يختص برحمته من يشاء ولنرجع إلى ما كنا بصدده من الكلام في ذكر محاجه أهل الباطل للمسلمين في القبلة ونصر الله لهم بالحجة عليهم وقد رأيت لأبي القاسم السهيلي في الكلام على هذه الآيات فصلا اذكره بلفظه قال في قول النبي صلى الله عليه وسلم للبراء بن معرور: "قد كنت على قبلة لو صبرت عليها" يعنى لما صلى إلى الكعبة المشرفة قبل الأمر بالتوجه إليها ولم يأمره بالإعادة لأنه كان متأولا.

قلت: ونظير هذا أنه لم يأمر من أكل في نهار رمضان بالإعادة لما ربط الخيطين في رجليه وأكل حتى يتبينا له لأجل التأويل. ونظيره أنه لم يأمر أبا ذر بإعادة ما ترك من الصلاة مع الجنابة إذ لم يعرف شرع التيمم للجنب فقال: يا رسول الله إني تصيبني الجنابة فأمكث الشهر والشهرين لا أصلي يعني في البادية فقال: "أين أنت عن التيمم". ونظيره أيضا أنه لم بأمر المستحاضة بالإعادة وقد قالت: إني أستحاض حيضة شديدة وقد منعني الصوم والصلاة فأمرها أن تجلس أيام الحيض ثم تصلي ولم يأمرها بإعادة ما تركت. ونظيره أيضا أنه لم يأمر المسىء في صلاته بإعادة ما تقدم له من الصلوات التي لم تكن صحيحة وإنما بالإعادة في الوقت لأنه لم يؤد فرض وقته مع بقائه بخلاف ما تقدم له. ونظيره أيضا أنه لم يأمر المتمعك في التراب كما تتمعك الدابة لأجل التيمم بالإعادة مع أنه لم يصب فرض التيمم. ونظيره أيضا أنه لم يأمر معاوية بن الحكم السلمي بإعادة الصلاة وقد تكلم فيها بكلام أجنبي ليس من مصلحتها. ونظيره أيضا أنه لم يضمن أسامة قتيله بعد إسلامه بقصاص ولا دية ولا كفارة.

ولا تجد هذه النظائر مجموعة في موضع فالتأويل والاجتهاد في إصابة الحق منع في هذه المواضع من

<<  <  ج: ص:  >  >>