وكان أولى بهذا الخطاب لأن مبدأ التوجه كان على يديه وكان شديد الحرص على التحويل. وقوله:{وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ} يتناول أماكن الكون كلها له وللأمة وكانوا أولى بهذا الخطاب لتعدد أماكن أكوانهم وكثرتها بحسب كثرتهم واختلاف بلادهم وأقطارهم واستدارتها حول الكعبة شرقا وغربا ويمنا وعراقا فكان الأحسن في حقهم أن يقال لهم وحيث ما كنتم أي من أقطار الأرض في شرقها وغربها وسائر جهاتها ولا ريب أنهم أدخل في هذا الخطاب منه. فتأمل هذه النكت البديعة فلعلك لا تظفر بها في موضع غير هذا والله أعلم.
قال أبو القاسم:"وكرر الباري تعالى الأمر بالتوجه إلي بيت الحرام في ثلاث آيات لأن المنكرين لتحويل القبلة كانوا ثلاثة أصناف من الناس اليهود لأنهم لا يقولون بالنسخ في أصل مذهبهم وأهل الريب والنفاق اشتد إنكارهم له لأنه كان أول نسخ نزل وكفار قريش قالوا ندم محمد على فراق ديننا فسيرجع إليه كما رجع إلى قبلتنا وكانوا قبل ذلك يحتجون عليه فيقولون يزعم محمد أنه يدعونا إلى ملة إبراهيم وإسماعيل وقد فارق قبله إبراهيم وإسماعيل وآثر عليها قبلة اليهود فقال الله له حين أمره بالصلاة إلى الكعبة {لِئَلاّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} على الاستثناء المنقطع أي لكن الذين ظلموا منهم لا يرجعون ولا يهتدون وقال: {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} أي من الذين شكوا وامتروا ومعنى الحق من ربك أي الذي أمرتك به من التوجه إلى بيت الحرام هوالحق الذي كان عليه الأنبياء قبلك فلا تمتر في ذلك فقال: {وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ} وقال: {وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} أي يكتمون ما علموا أن الكعبة هي قبلة الأنبياء ثم ساق من طريق أبي داود في كتاب الناسخ والمنسوخ".
قال حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عنبسة عن يونس عن ابن شهاب قال:"كان سليمان بن عبد الملك لا يعظم إيليا كما يعظمها أهل بيته قال: فسرت معه وهو ولي عهد قال: ومعه خالد بن يزيد بن معاوية فقال سليمان وهو جالس فيه: "والله إن في هذه القبلة التي صلى إليها