مكرر له تكررا محضا بل في ضمنه أمرهم باستقبالها حيثما كانوا كما أمرهم باستقبالها أولا حيثما كانوا عند النسخ وابتداء شرع لحكم فأمرهم باستقبالها حيثما كانوا عند شرع الحكم وابتدائه وبعد المحاجة والمخاصمة والحكم لهم وبيان عنادهم ومخالفتهم مع علمهم فذكر الأمر بذلك في كل موطن لاقتضاء السياق له فتامله والله أعلم.
وقوله:(إن الاستثناء في قوله {إِلاّ الَّذِينَ ظَلَمُوا} منهم منقطع) قد قاله أكثر الناس ووجهة أن الظالم لا حجة له فاستثناؤه مما ذكر قبله منقطع وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: "ليس الاستثناء بمنقطع بل هو متصل على بابه وإنما أوجب لهم أن حكموا بانقطاعه حيث ظنوا أن الحجة ههنا المراد بها الحجة الصحيحة الحق والحجة في كتاب الله يراد بها نوعان:
ويراد بها مطلق الاحتجاج بحق أو بباطل كقوله:{فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله} وقوله: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلاّ أَنْ قَالُوا ائْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} وقوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ} وقوله: {وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ} وإذا كانت الحجة إسما لما يحتج به من الحق أو باطل صح استثناء حجة الظالمين من قوله: {لِئَلاّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ} وهذا في غاية التحقيق والمعنى أن الظالمين يحتجون عليك بالحجة الباطلة الداحضة فلا تخشوهم واخشوني. ومن ذلك قوله تعالى:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ} فهذه مناظرة حكاها الله بين المسلمين والكفار فإن الكفار لجأوا إلى تقليد الآباء وظنوا أنه منجيهم لإحسانهم ظنهم بهم فحكم الله بينهم بقوله: {أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ} وفي موضع آخر {أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} وفي موضع آخر {قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ} فأخبر عن بطلان هذه الحجة وأنها لا تنجني من عذاب الله تعالى لأنها تقليد من ليس عنده علم ولا