القدرة المصححة التي هي مناط التكليف وشرط فيه وإن أخرجه عن كونه مقدورا القدرة الموجبة للفعل المقارنة له.
المأخذ الثالث: أن ما تعلق علم الله بأنه لا يكون من أفعال المكلفين نوعان:
أحدهما: أن يتعلق بأنه لا يكون لعدم القدرة عليه فهذا لا يكون ممكنا مقدورا ولا مكلفا به.
والثاني: ما تعلق بأنه لا يكون لعدم إرادة العبد له فهذا لا يخرج بهذا العلم عن الإمكان ولا عن جواز الأمر به ووقوعه.
المأخذ الرابع: وهو من أدقها وأغمضها وهو أن علم الله أنه لا يكون لعدم مشيئته له ولو شاء للعبد لفعله هل يخرجه عدم مشيئة الرب تعالى له عن كونه مقدورا ويجعل الأمر به أمرا بما لا يطاق.
والصواب أن عدم مشيئة الرب له لا يخرجه عن كونه ممكنا في نفسه كما أن عدم مشيئته لما هو قادر عليه من أفعاله لا يخرجه عن كونه مقدورا له وإنما يخرج الفعل عن الإمكان إذا كان بحيث لو أراده الفاعل لم يمكنه فعله وأما امتناعه لعدم مشيئته فلا يخرجه عن كونه مقدورا ويجعله محالا. فإن قيل هو موقوف على مشيئة الله وهي غير مقدورة للعبد والموقوف على غير المقدور غير مقدور قيل إنما يكون غير مقدور إذا كان بحيث لو أراده العبد لم يقدر عليه فيكون عدم وقوعه لعدم قدرة العبد عليه فأما إذا كان عدم وقوعه لعدم مشيئته له فهذا لا يخرجه عن كونه مقدورا له وإن كانت مشيئته موقوفة على مشيئة الرب تعالى كما أن عدم وقوع الفعل من الله لعدم مشيئته له لا يخرجه عن كونه مقدورا له وإن كانت مشيئته تعالى موقوفة على غيرها من صفاته كعلمه وحكمته فالنزاع في هذا الأصل يتنوع إلى النظر إلى المأمور به وإلى النظر إلى جواز الأمر به ووقوعه. ومن جعل القسمين واحدا وادعى جواز الأمر به مطلقا لوقوع بعض الأقسام التي يظنها مما لا يطاق وقاس عليها النوع الذي اتفق الناس على أنه لا يطاق وأن وقوع ذلك النوع يستلزم لوقوع القسم المتفق على أنه لا يطاق أو على جوازه فقد أخطأ خطأ بينا فإن من قاس الصحيح المتمكن من الفعل القادر عليه الذي لو أراده لفعله على العاجز عن الفعل إما لاستحالته في نفسه أو لعجزه عنه لجامع ما يشتركان فيه من كون الاستطاعة مع الفعل ومن تعلق علم الرب تعالى بعدم وقوع الفعل منهما فقد جمع بين ما علم