ويحتمل المضي والاستقبال بعد همزة التسوية نحو سواء على أقمت أم قعدت والصواب أن المراد هنا المصدر المدلول بالفعل وهو أعم من الحال والاستقبال فلم يجيء الاحتمال من جهة الهمزة بل من جهة القصد إلى المصدر.
فإن قلت: فلو اقترن الفعل الواقع بعد أم بلم فهل يصلح الماضي للحال والاستقبال أم يتعين الماضي. قلت: ذهب صاحب التسهيل إلى تعيين المضي واحتج بقوله تعالى: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} والصواب أنه لا يتعين المضي فإن المعنى سواء عليهم الإنذار وعدمه فلا فرق بين ذلك وبين أن يقال سواء عليهم أأنذرت أم تركت الإنذار.
وكذلك لو كان بعد أم جملة إسمية لم يتعين المضي في الفعل كقوله تعالى:{سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ} وإذا وقع الماضي بعد حرف التحضيض صلح أيضا للماضي والمستقبل كقوله تعالى: {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ} والصواب أن الماضي ههنا باق على وضعه لم يتغير عنه كقوله تعالى: {فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ} ويقول: هلا اتقيت الله تعالى فيما أتيت والآية إنما نزلت في غزوة تبوك في سياق ذم المتخلفين عن رسول الله فأخبر تعالى أن المؤمنين لم يكونوا لينفروا كافة ثم وبخهم توبيخا متضمنا للحض على أن ينفر بعضهم ويقعد بعضهم.
وأصح القولين أنه ينفر منهم طائفة في السرايا والبعوث وتقعد طائفة تتفقه في الدين فتنذر القاعدة الطائفة النافرة إذا رجعت إليهم وتخبرهم بما نزل بعدهم من الحلال والحرام والأحكام لوجوه:
أحدها: أن الآية هي في سياق النفير في الجهاد وتوبيخ القاعدين عنه.
الثاني: أن النفير إنما يكون في الغزو ولا يقال لمن سافر في طلب العلم أنه نفر ولا استنفر ولا يقال للسفر فيه نفير.
الثالث: أن الآية تكون قد اشتملت على بيان حكم النافرين والقاعدين وعلى بيان اشتراكهم في الجهاد والعلم فالنافرون أهل الجهاد والقاعدون أهل التفقه والدين إنما يتم بالجهاد والعلم فإذا اشتغلت طائفة بالجهاد وطائفة بالتفقه في الدين ثم يعلم أهل الفقه للمجاهدين إذا رجعوا إليهم حصلت المصلحة بالعلم