جعلها في فعل الحال كـ (لا) في فعل الاستقبال فعلم أنه إنما اراد الأكثر من استعمال الحرفين.
وتأمل كيف جاء نفي المضارع وهو مرفوع بما ولا وهما لا يزيلان رفعه لتشاكل المنفي بالمثبت ويقابل مرفوع بمرفوع والمشاكلة مهمة في كلامهم حتى يغيروا بها بعض الألفاظ كقولهم: أخذه ما قدم وما حدث والغدايا والعشايا ونظائره وترجع الحال بدخول لام الابتداء عليه نحو إني لأحبك وأما قوله تعالى حكاية عن يعقوب: {إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ} ذهابهم مستقبل وهو فاعل الحزن ويمتنع أن يكون الفاعل مستقبلا والفعل حالا فزعم صاحب التسهيل أن هذا دليل على أن اللام لا تخلص للحالية واحتج أيضا بقوله: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} .
ولقائل أن يقول: التخلص إنما يكون باللام المجردة وأما إذا اقترن بالفعل قرينة تخلصه للاستقبال لم تكن اللام للحال وهذا كسوف كما في قوله تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} فلولا هذه القرائن لتخلص للحال وهذا كان مع لم كقوله تعالى: {وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا} فإن منعت اقتضاء لم للمضي واما الآن وآنفا والساعة فمخلصة للحال خلافا لبعضهم واحتج بقوله تعالى: {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ} والأمر إنما يكون للمستقبل وقد عمل في الآن.
وأجيب عن ذلك بأن (الآن) هنا هو الزمن المتصل أوله بالحال مستمرا في الاستقبال فعبر عنه بالآن اعتبارا بأوله كقوله تعالى: {فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَصَداً} والصواب أن الآن في الآية ظرف للأمر والإباحة لا لفعل المأمور به والمعنى فالآن أبحث لكم مباشرتهن لا أن المعنى فالآن مدة وقوع المباشرة منكم وترجع الحالية بنفيه بـ (ما) وليس وإن كقوله: {وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ} وكقوله: {وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ} .
مثال نفيه بـ (ليس) قول الشاعر:
ولست وبيت الله أرضي بمثلها ... ولكن من يمشي سيرضى بما ركب
وأما قوله:
فما مثله فيهم ولا كان قبله ... وليس يكون الدهر ما دام بدل
فإنما جاء للاستقبال من تقسيم النفي إلى ماض وحال ومستقبل وقال ابن مالك: