هو المقصود بالذكر والأول في نية الإطراح فلما كان هو المقصود كانت مباشرته بالعامل أولى بخلاف بقية التوابع فإن المقصود في النعت وعطف البيان والتأكيد هو الأول والثاني توضيح وتبيين وأما عطف النسق وإن قصد فيه التابع والمتبوع فالمعطوف فيه ثان تابع لمقصود فاكتفى فيه بالعامل الأول ولا حجة في شيء من ذلك أما الأول فمجيء البدل خاليا من تكرار العامل أكثر من اقترانه بإعادة العامل وإنما أعيدت اللامم في الآية لمزيد البيان والاختصاص وأن القول من المستكبرين إنما كان للمؤمنين المستضعفين خاصة ونظير إعادة اللام ههنا إعادتها في قوله تعالى:{تَكُونُ لَنَا عِيداً لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا} وإذا كانوا يزيدون اللام في قولهم لا أبا لك مع شدة ارتباط المضاف بالمضاف إليه لقصد الاختصاص والتببين فالإتيان بها في مثل هذه الآية أولى واقوى ولهذا لم يعد في قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} وفي قوله: {لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ} . وفي قوله:{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِين} ولا في قوله: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي} الآية ولا في قوله: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ} ولا في وقوله: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً حَدَائِقَ وَأَعْنَاباً} فنظائره أكثر من أن تذكر.
وأما استدلالهم بأن المبدل منه في نية الطرح والمقصود مباشرة العامل للمبدل فغير صحيح فإن الأول مقصود أيضا ولكن ذكر توطئة للمبدل منه ولم يقصد طرحه ويدل عليه قول الشاعر:
إن السيوف عدوها وروحها ... تركت هوازن مثل قرن الأعصب
فجعل الخبر للسيوف وألغى البدل وجعله كالمطروح إذ لو لم يلغه لقال تركا وإنما يكون الأول في نية الطرح في نوعين من البدل وهما بدل الغلط والأكثر فيهما أن يقعا بعد بل والله أعلم.