لا يكون بعد قبل فلا يكون وراء أمام وأنت لو قلت جهنم بعد موت الكافر لم يكن فيها معنى قبل بوجه فوراء ههنا زمان لا مكان فتأمله رحمك الله تعالى فهي خلف زمان حياته وبعده وهي أمامه ومستقبلته فكونها خلفا وأماما باعتبارين وإنما وقع الاشتباه لأن بعدية الزمان إنما يكون فيما يستقبل أمامك كقولك: بعد غد وورائية المكان فيما تخلف وراء ظهرك فمن ورائه جهنم ورائية زمان لا مكان وهي إنما تكون في المستقبل الذي هو أمامك فلما كان معنى الأمام لازم لها ظن من ظن أنها مشتركة ولا اشتراك فيها وكذلك قوله: {وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ} وكذلك: {مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ} وأما قوله: {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ} فإن صحت قراءة وكان أمامهم ملك فلها معنى لا يناقض القراءة العامة وهو أن الملك كان خلف ظهورهم وكان مرجعهم عليه فهو وراءهم في ذهابهم وأمامهم في مرجعهم فالقراءتان بالاعتبارين والله سبحانه وتعالى أعلم.
فائدة:
قولهم: البدل في نية تكرار العامل إن أريد به أن العامل فيه غير العامل في متبوعه فلا بد من إعادته إما ظاهرا وأما مقدرا كما هو مذهب ابن خروف وغيره فضعيف جدا وهو مخالف لمذهب سيبويه فإن الذي دل عليه كلامه أن العامل فيهما هو الأول ويتعين هذا لأن من المبدلات ما يبدل من مجرور ومجزوم ولا يعاد عامله فلو كان العامل مقدرا لزم اطراد إضمار الجار في الجازم في الأبدال من المجرور والمجزوم وهو ممتنع والذي أوجب لهم ما ادعوه أمران:
أحدهما: أنهم رأوا البدل كثيرا ما يعاد معه العامل كقوله تعالى: {قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ} ولم يروه معادا مع غيره من التوابع إلا نادرا.