قولك لا تضرب زيدا بل اضرب عمرا وكذلك ما قام زيد بل قام عمرو فهي في ذلك كله لتقرير جملتين وكذلك قوله تعالى:{أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُون} المعنى أنكم إذا نزل بكم هذا الأمر العظيم لا تدعون غير الله بل تدعونه وحده فهو تقرير لترك دعائهم الهتهم ولدعائهم الإله الحق وحده فيدخل في مثل ذلك على مقرر بعد مقرر والأول تارة يكون تقريره توطئة للثاني كقوله تعالى: {أُولَئِكَ كَالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلّ} وتارة لا يكون توطئة كقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الأمْرُ جَمِيعاً} وتارة يدخل على كلام مقرر بعد كلام مردود كقوله تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} وفي مثل هذا يظهر معنى الإضراب وليس المراد بهم إضراب عن الذكر بل الإضراب عن المذكور ونفيه وإبطاله وتارة يأتي لتقرير كلام بعد كلام قد رجع عنه المتكلم إما لغلط أو لظهور رأى أو لعروض نسيان وذلك كله إما في الإخبار وإما في المخبر به فمثال الأول أن تقول: أنت عبدي بل سيدي ومثال الثاني لاح برق بل ضوء نار ومثال الثالث خذ هذا بل هذا ومثال الرابع شربت عسلا بل لبنا وتأتي مع التكرار لقصد ما بعدها بالإولوية والذكر دون نفي ما قبلها كقوله تعالى: {بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِر} فهم لم يقصدوا إبطال ما قبل كل واحدة بل قصدوا أولوية المتأخر بالقصد إليه والاعتماد عليه مع ثبوت ما قبله وكذلك قوله تعالى: {وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ} فليس القصد نفي إدراك علمهم في الآخرة ولا نفي شكهم فيها فتأمله ومن مواردها مجيئها بعد قسم لم يذكر جوابه فيتضمن تحقيق ما بعدها وتقريره ويتضمن ذلك مع القسم تحقيق ما قصده بالقسم وتقريره.