للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

البحر وكذلك علم الخلائق إذا نسب إلى علمه كان كنقرة عصفور من البحر وكذلك سائر صفاته كحياته وسمعه وبصره وإرادته فلو فرض البحر المحيط بالأرض مدادا تحيط به سبعة أبحر وجميع أشجار الأرض شيئا بعد شيء أقلام لفني ذلك المداد والأقلام ولا تفنى كلماته ولا تنفد فهو أكبر في علمه من كل عالم وفي قدرته من كل قادر وفي وجوده من كل جواد وفي غناه من كل غني وفي علوه من كل عال وفي رحمته من كل رحيم استوى على عرشه واستولى على خلقه متفرد بتدبير مملكته فلا قبض ولا بسط ولا منع ولا ضلال ولا سعادة ولا شقاوة ولا موت ولا حياة ولا نفع ولا ضر إلا بيده لا مالك غيره ولا مدبر سواه لا يستقل أحد معه بملك مثقال ذرة في السماوات والأرض ولا له شركة في ملكها ولا يحتاج إلى وزير ولا ظهير ولا معين ولا يغيب فيخلفه غيره ولا يعي فيعينه سواه ولا يتقدم أحد بالشفاعة بين يديه إلا من بعد إذنه لمن شاء وفيمن شاء فهو أول مشاهد المعرفة ثم يترقى منه إلى مشهد فوقه لا يتم إلا به وهو مشهد الإلهية فيشهده سبحانه متجليا في كماله بأمره ونهيه ووعده ووعيده وثوابه وعقابه وفضله في ثوابه فيشهد ربا قيوما متكلما آمرا ناهيا يحب ويبغض ويرضى ويغضب قد أرسل رسله وأنزل كتبه وأقام على عباده الحجة البالغة وأتم عليهم نعمته السابغة يهدى من يشاء منه نعمة وفضلا ويضل من يشاء حكمة منه وعدلا ينزل إليهم أوامره وتعرض عليه أعمالهم لم يخلقهم عبثا ولم يتركهم سدى بل أمره جار عليهم في حركاتهم وسكناتهم وظواهرهم وبواطنهم فلله عليهم حكم وأمر في كل تحريكة وتسكينة ولحظة ولفظة وينكشف له في هذا النور عدله وحكمته ورحمته ولطفه وإحسانه وبره في شرعه وأحكامه وأنها أحكام رب رحيم محسن لطيف حكيم قد بهرت حكمته العقول وأقرت بها الفطر وشهدت لمنزلها بالوحدانية ولمن جاء بها بالرسالة والنبوة وينكشف له في ضوء ذلك النور إثبات صفات الكمال وتنزيهه سبحانه عن النقص والمثال وأن كل كمال في الوجود فمعطيه وخالقه أحق به وأولى وكل نقص وعيب فهو سبحانه منزه متعال عنه وينكشف له في ضوء هذا النور حقائق المعاد واليوم الآخر وما أخبر به الرسول عنه حتى كأنه يشاهده عيانا وكأنه يخبر عن الله وأسمائه وصفاته وأمره ونهيه ووعده ووعيده إخبار من كأنه قد رأى وعاين وشاهد ما أخبر به فمن أراد سبحانه هدايته شرح صدره لهذا فاتسع له وانفسح ومن أراد ضلالته جعل صدره من ذلك في ضيق وحرج لا يجد فيه مسلكا ولا منفذا والله الموفق المعين وهذا الباب يكفي اللبيب في معرفة القدر والحكمة ويطلعه على العدل والتوحيد الذي تضمنهما قوله: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} .

<<  <   >  >>