قال القدري: قد أضاف الله الأعمال إلى العباد بأنواع الإضافة العامة والخاصة فأضافها إليهم بالاستطاعة تارة كقوله: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} وبالمشيئة تارة كقوله: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} وبالإرادة تارة كقول الخضر فأردت أن أعيبها وبالفعل والكسب والصنع كقوله: {يَفْعَلُونَ} : {يَعْمَلُونَ} : {بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ} : {لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} وأما بالإضافة الخاصة فكإضافة الصلاة والصيام والحج والطهارة والزنا والسرقة والقتل والكذب والكفر والفسوق وسائر أفعالهم إليهم وهذه الإضافة تمتنع إضافتها إليه كما أن إضافة أفعاله تعالى تمتنع إضافتها إليهم فلا تجوز إضافة أفعالهم إليه سبحانه دونهم ولا إليه معهم فهي إذا مضافة إليهم دونه قال السني: هذا الكلام مشتمل على حق وباطل أما قولك أنه أضاف الأفعال إليهم فحق لا ريب فيه وهذا حجة لك على خصومك من الجبرية وهم يجيبونك بأن هذا الإسناد لا حقيقة له وإنما هو نسبة مجازية صححها قيام الأفعال بهم كما يقال جرى الماء وبرد وسخن ومات زيد ونحن نساعدك على بطلان هذا الجواب ومنافاته للعقول والشرائع والفطر ولكن قولك هذه الإضافة تمنع إضافتها إليه سبحانه كلام فيه إجمال وتلبيس فإن أردت بمنع الإضافة إليه منع قيامها به ووصفه بها وجريان أحكامها عليه واشتقاق الأسماء منه له فنعم هي غير مضافة إليه بشيء من هذه الاعتبارات والوجوه وإن أردت بعدم إضافتها إليه عدم إضافتها إلى علمه بها وقدرته عليها ومشيئته العامة وخلقه فهذا باطل فإنها معلومة له سبحانه مقدورة له مخلوقة وإضافتها إليهم لا تمنع هذه الإضافة كالأموال فإنها مخلوقة له سبحانه وهي ملكه حقيقة قد أضافها إليهم فالأعمال والأموال خلقه وملكه وهو سبحانه يضيفها إلى عبيده وهو الذي جعلهم مالكيها وعامليها فصحت النسبتان وحصول الأموال بكسبهم وإرادتهم كحصول الأعمال وهو الذي خلق الأموال وكاسبيها والأعمال وعامليها فأموالهم وأعمالهم ملكه وبيده كما أن أسماعهم وأبصارهم وأنفسهم ملكه وبيده فهو الذي جعلهم يسمعون ويبصرون ويعملون فأعطاهم حاسة السمع والبصر وقوة السمع والبصر وفعل الإسماع والإبصار وأعطاهم آلة العمل وقوة العمل ونفس العمل فنسبة قوة العمل إلى اليد والكلام إلى اللسان كنسبة قوة السمع إلى الأذن والبصر إلى العين ونسبة الرؤية والاستماع اختيارا إلى محلهما كنسبة الكلام والبطش إلى محلهما وإن كانوا هم الذين خلقوا لأنفسهم الرؤية والسمع فهل خلقوا محلهما وقوى المحل والأسباب الكثيرة التي تصلح معها الرؤية والسمع أم الكل خلق من هو خالق كل شيء وهو الواحد القهار قال القدري: لو كان الله سبحانه هو الفاعل لأفعالهم لاشتقت له منها الأسماء وكان أولى بأسمائها منهم إذ لا يعقل الناس على اختلاف لغاتهم وعاداتهم ودياناتهم قائما إلا من فعل القيام وآكلا إلا من فعل الأكل وسارقا إلا من فعل السرقة وهكذا جميع الأفعال لازمها ومتعديها