عباس عنه صلى الله عليه وسلم في دعائه المشهور:"رب أعني ولا تعن علي وانصرني ولا تنصر علي وامكر لي ولا تمكر علي واهدني ويسر الهدى لي وانصرني علي من بغى علي رب اجعلني لك شكارا لك ذكارا لك رهابا لك مطواعا لك مخبتا إليك أواها منيبا رب تقبل توبتي واغسل حوبتي وأجب دعوتي وثبت حجتي واهد قلبي وسدد لساني واسلل سخيمة صدري" رواه الإمام أحمد في المسند وفيه أحد وعشرون دليلا فتأملها وفي الصحيحين أنه صلى الله عيه وسلم كان يقول بعد انقضاء صلاته: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد" وكان يقول ذلك الدعاء عند اعتداله من الركوع ففي هذا نفي الشريك عنه بكل اعتبار وإثبات عموم الملك له بكل اعتبار وإثبات عموم الحمد وإثبات عموم القدرة وأن الله سبحانه إذا أعطى عبدا فلا مانع له وإذا منعه فلا معطي له، وعند القدرية أن العبد قد يمنع من أعطى الله ويعطي من منعه فإنه يفعل باختياره عطاء ومنعا لم يشأه الله ولم يجعله معطيا مانعا فيتصور أن يكون لمن أعطى مانع ولمن منع معط وفي الصحيح أن رجلا سأله أن يدله على عمل يدخل به الجنة فقال:"إنه ليسير على من يسره الله عليه" فدل على أن التيسير الصادر من قبله سبحانه يوجب اليسر في العمل وعدم التيسير يستلزم عدم العمل لأنه ملزومه والملزوم ينتفي لانتفاء لازمه والتيسير بمعنى التمكين وخلق الفعل وإزاحة الأعذار وسلامة الأعضاء حاصل للمؤمن والكافر والتيسير المذكور في الحديث أمر آخر وراء ذلك وبالله التوفيق والتيسير وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لأبي موسى: "ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة لا حول ولا قوة إلا بالله" وقد أجمع المسلمون على هذه الكلمة وتلقيها بالقبول وهي شافية كافية في إثبات القدر وإبطال قول القدرية وفي بعض الحديث "إذا قالها العبد قال الله أسلم عبدي واستسلم وفي بعضه فوض إليّ عبدي" قال بعض المنتسبين للقدر لما كانت القدرة بالنسبة إلى الفعل وإلى الترك بحصول الدواعي على التسوية وما دام الأمر كذلك امتنع صدور الفعل فإذا رجح جانب الفعل على الترك بحصول الدواعي وإزالة الصوارف حصل الفعل وهذه القوة هي المشار إليها بقولنا لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وشأن الكلمة أعظم مما قال فإن العالم العلوي والسفلي له تحول من حال إلى حال وذلك التحول لا يقع إلا بقوة يقع بها التحول فكذلك الحول وتلك القوة قائمة بالله وحده ليست بالتحويل فيدخل في هذا كل حركة في العالم العلوي والسفلي وكل قوة على تلك الحركة سواء كانت الحركة قسرية أو إرادية أو طبيعية وسواء كانت من الوسط أو إلى الوسط أو على الوسط وسواء كانت في الكم أو الكيف أو في الأين كحركة النبات وحركة الطبيعة وحركة الحيوان وحركة الفلك وحركة النفس والقلب والقوة على هذه الحركات التي هي حول فلا حول ولا قوة إلا بالله ولما كان الكنز هو المال النفيس المجتمع الذي يخفى على أكثر الناس وكان هذا شأن هذه الكلمة كانت كنزا من كنوز الجنة فأوتيها النبي صلى الله عليه وسلم من كنز تحت العرش وكان قائلها أسلم واستسلم لمن أزمة الأمور بيديه وفوض أمره إليه وفي المسند والسنن عن أبي الديلمي قال: "أتيت أبي كعب فقلت: في نفسي شيء من القدر فحدثني بشيء لعل الله يذهبه عني من قلبي فقال: إن الله لو عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم ولو رحمهم لكانت رحمته خيرا لهم من أعمالهم ولو أنفقت مثل أحد ذهبا ما قبله الله