شيئا وأن يذكره ولا ينساه وأن يشكره ولا يكفره وأن يرضى به ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا وليس الرضا بذلك مجرد إطلاق هذا اللفظ وحاله وإرادته وتكذيبه وتخالفه فكيف يرضى به ربا من يسخط ما يقضيه له إذا لم يكن موافقا لإرادته وهواه فيظل ساخطا به متبرما يرضى وربه غضبان ويغضب وربه راض فهذا إنما رضي من ربه حظا لم يرض بالله ربا وكيف يدعي الرضا بالإسلام دينا من ينبذ أصوله خلف ظهره إذا خالفت بدعته وهواه وفروعه وراءه إذا لم يوافق غرضه وشهوته وكيف يصح الرضا بمحمد رسولا من لم يحكمه على ظاهره وباطنه ويتلق أصول دينه وفروعه من مشكاته وحده وكيف يرضى به رسولا من يترك ما جاء به لقول غيره ولا يترك قول غيره لقوله ولا يحكمه ويحتج بقوله إلا إذا وافق تقليده ومذهبه فإذا خالفه لم يلتفت إلى قوله والمقصود أن من حقه سبحانه على كل أحد من عبيده أن يرضى به ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا وأن يكون حبه كله لله وبغضه في الله وقوله لله وتركه لله وأن يذكره ولا ينساه ويطيعه ولا يعصيه ويشكره ولا يكفره وإذا قام بذلك كله كانت نعم الله عليه أكثر من عمله بل ذلك نفسه من نعم الله عليه حيث وفقه له ويسره وأعانه عليه وجعله من أهله واختصه به على غيره فهو يستدعي شكرا آخر عليه ولا سبيل له إلى القيام بما يجب لله من الشكر أبدا فنعم الله تطالبه بالشكر وأعماله لا تقابلها وذنوبه وغفلته وتقصيره قد تستنفد عمله فديوان النعم وديوان الذنوب يستنفدان طاعاته كلها هذا وأعمال العبد مستحقة عليه بمقتضى كونه عبدا مملوكا مستعملا فيما يأمره به سيده فنفسه مملوكة وأعماله مستحقة بموجب العبودية فليس له شيء من أعماله كما أنه ليس له ذرة من نفسه فلا هو مالك لنفسه ولا صفاته ولا أعماله ولا لما بيده من المال في الحقيقة بل كل ذلك مملوك عليه مستحق عليه لمالكه أعظم استحقاقا من سيد اشترى عبدا بخالص ماله ثم قال اعمل وأد إليّ فليس لك في نفسك ولا في كسبك شيء فلو عمل هذا العبد من الأعمال ما عمل فإن ذلك كله مستحق عليه لسيده وحق من حقوقه عليه فكيف بالمنعم المالك على الحقيقة الذي لا تعد نعمه وحقوقه على عبده ولا يمكن أن تقابلها طاعاته بوجه فلو عذبه سبحانه لعذبه وهو غير ظالم له وإذا رحمه فرحمته خير له من أعماله ولا تكون أعماله ثمنا لرحمته البتة فلولا فضل الله ورحمته ومغفرته ما هنا أحدا عيش البتة ولا عرف خالقه ولا ذكره ولا آمن به ولا أطاعه فكما أن وجود العبد محض وجوده وفضله ومنته عليه وهو المحمود على إيجاده فتوابع وجوده كلها كذلك ليس للعبد منها شيء كما ليس له في وجوده شيء فالحمد كله لله والفضل كله له والإنعام كله له والحق له على جميع خلقه ومن لم ينظر في حقه عليه وتقصيره وعجزه عن القيام به فهو من أجهل الخلق بربه وبنفسه ولا تنفعه طاعاته ولا يسمع دعاؤه قال الإمام أحمد حدثنا حجاج حدثنا جرير بن حازم عن وهب قال:"بلغني أن نبي الله موسى مر برجل يدعو ويتضرع فقال يا رب ارحمه فإني قد رحمته فأوحى الله تعالى إليه لو دعاني حتى ينقطع فؤاده ما استجبت له حتى ينظر في حقي عليه" والعبد يسير إلى الله سبحانه بين مشاهدة منته عليه ونعمه وحقوقه وبين رؤية عيب نفسه وعمله وتفريطه وإضاعته فهو يعلم أن ربه لو عذبه أشد العذاب لكان قد عدل فيه وأن أقضيته كلها عدل فيه وأن ما فيه من الخير فمجرد فضله ومنته وصدقته عليه ولهذا كان في حديث سيد الاستغفار "أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي" فلا يرى نفسه إلا مقصرا مذنبا ولا يرى ربه إلا محسنا