الكسب من المكتسب وقوعه بقدرته مع انفرداه به ويختص القديم تعالى بالخلق ويشترك القديم والمحدث في الفعل ويختص المحدث بالكسب" قلت: مراده أن إطلاق لفظ الخلق لا يجوز إلا على الله وحده وإطلاق لفظ الكسب يختص بالمحدث وإطلاق لفظ الفعل يصح على الرب سبحانه والعبد وقال أيضا: "كل فعل يقع على التعاون كان كسبا من المستعين" قلت: يريد أن الخالق يستقل بالخلق والإيجاد والكاسب إنما يقع منه الفعل على وجهه المعاونة والمشاركة منه ومن غيره لا يمكنه أن يستقل بإيجاد شيء البتة وقال آخرون: قدرة المكتسب تتعلق بمقدوره على وجه ما وقدرة الخالق تتعلق به من جميع الوجوه قالوا وليس كون الفعل كسبا من حقائقه التي تخصه بل هو معنى طرأ عليه كما يقول منازعونا من المعتزلة إن هذه الحركة لطف وهذا الفعل لطف وصيغة أفعل تصير أمرا بالإرادة لأنها حدثت بالإرادة واعتقاد الشيء على ما هو به يصير علما بسكون النفس إليه لا أنه يحدث كذلك به والأشياء قد تقترن في الوجود فتتغير أوصافها وأحكامها قالوا فالحركة إذا صادفت المتحرك بها على وجه مخصوص تسمى سباحة مثلا ولطما ومشيا ورقصا وقال الأشعري وابن الباقلاني: "الواقع بالقدرة الحادثة هو كون الفعل كسبا دون كونه موجودا أو محدثا فكونه كسبا وصف للوجود بمثابة كونه معلوما" ولخص بعض متأخريهم هذه العبارات بأن قال: "الكسب عبارة عن الاقتران العادي بين القدرة المحدثة والفعل" فإن الله سبحانه أجرى العادة بخلق الفعل عند قدرة العبد وإرادته لا بهما فهذا الاقتران هو الكسب ولهذا قال كثير من العقلاء إن هذا من محالات الكلام وإنه شقيق أحوال أبي هاشم وطفرة النظام والمعنى القائم بالنفس الذي يسميه القائلون به كلاما وشيء من ذلك غير معقول ولا متصور والذي استقر عليه قول الأشعري: "أن القدرة الحادثة لا تؤثر في مقدورها ولم يقع المقدور ولا صفة من صفاته بل المقدور بجميع صفاته واقع بالقدرة القديمة ولا تأثير للقدرة الحادثة فيه" وتابعه على ذلك عامة أصحابه والقاضي أبو بكر يوافقه مرة ومرة يقول: "القدرة الحادثة لا تؤثر في إثبات الذات وأحداثها ولكنها تقتضي صفة للمقدور زائدة على ذاته تكون حالا له" ثم تارة يقول: "تلك الصفة التي هي من أثر القدرة الحادثة مقدورة لله تعالى ولم يمتنع من إثبات هذا المقدور بين قادرين على هذا الوجه" وقد اضطربت آراء أتباع الأشعري في الكسب اضطرابا عظيما واختلفت عباراتهم فيه اختلافا كثيرا وقد ذكره كله أبو القاسم سليمان بن ناصر الأنصاري في شرح الإرشاد وذكر اختلاف طرائقهم واضطرابهم فيه ثم قال: "وقد قال الأستاذ في المختصر قول أهل الحق في الكسب لا يرجع إلى إثبات قدرة للعبد عليه" كما يقال أنه معلوم له إلا أن الإمام ادعى على الأستاذ أنه أثبت للقدرة الحادثة أثرا في الحدوث فإنه لما نفي الأحوال وأثبت للقدرة الحادثة أثرا فلا يعقل الجمع بينهما إلا أن يكون الأثر في الحدوث ثم ذكر لنفسه مذهبا ذكره في الكتاب المترجم بالنظامية وانفرد به عن الأصحاب وهو قريب من مذهب المعتزلة والخلاف بينه وبينهم فيه في الاسم قال: "وهذه العقدة التي تورط الأصحاب فيها في الكسب شبيهة بالعقدة التي وقعت بين الأئمة في القراءة والمقروء "قالك "وما ذكره الإمام في النظامية له وجه غير أنه مما انفرد بإطلاقه" ولكل ناظر نظره والله يرحمنا وإياه قلت: الذي قاله الإمام في النظامية أقرب إلى الحق مما قاله الأشعري وابن الباقلاني ومن تابعهما ونحن نذكر كلامه بلفظه قالك "قد تقرر عند كل حاظ! بعقله مترق عن مراتب التقليد في قواعد التوحيد أن الرب سبحانه يطالب عباده