وخص بمسحة من الجمال ولم يقم عليه قوام يزعه عن ورطات الردى ويمنعه عن الارتباك في شبكات الهوى ووافاه أخدان الفساد وهو في غلواء شبابه يحدث نفسه بالبقاء أمدا بعيدا فما أقرب من هذا وصفه من خلع العذار والبدار إلى شيم الأشرار وهو مع ذلك كله مؤثر مختار ليس مجبرا على المعاصي والزلات ولا مصدودا عن الطاعات ومعه من العقل ما يستوجب به اللائمة إذا عصى فمن هذا سبيله لا يستحيل في العقل تكليفه فإنه ليس ممنوعا ولكن إن سبق له من الله سوء القضاء فهو صائر إلى حكم الله الجزم وقضائه الفصل محجوج بحجة الله ألا أن يتغمده الله برحمته وهو أرحم الراحمين وهذا الذي ذكرته بين في معاني الآيات لا يتمارى فيه موفق قال الله تعالى:{ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ} أراد أنهم استمروا على المخالفات وأصرا بانتهاك الحرمات فقست قلوبهم وقال تعالى: {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا} فقد جمعت بين تفويض الأمور كلها نفعها وضرها خيرها وشرها إلى الإله جلت قدرته وبين إثبات حقائق التكليف وتقرير قواعد الشرع على الوجه المعقول ألست في هذا أهدى سبيلا وأقوم قيلا ممن يقدر الطبع منعا والختم صدا ودفعا ثم ينفي التكاليف بزعمه وقد افترق الخلق في هذا المقام فرقا فذهب ذاهبون إلى أن المخذولين ممنوعون مدفوعون لا اقتدار لهم على إجابة دعاة الحق وهم مع ذلك ملزمون وهذا خطب جسيم وأمر عظيم وهو طعن في الشرائع وإبطال للدعوات وقد قال تعالى: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى} وقال إبليس:: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُد} نعوذ بالله من سوء النظر في مواقع الخطر وذهب طوائف من الضلال إلى أن العبد يعصي والرب لما يأتي به كاره فهذا خبط في الأحكام الإلهية ومزاحمة في الربوبية ولو لم يرد الرب من الفجار ما علمه منهم في أزليته لما فطرهم مع علمه بهم كيف وقد أكمل قواهم وأمدهم بالعدد والعدد والعتاد وسهل لهم طريق الحيد عن السداد, فإن قيل: فعل ذلك بهم ليطيعوه, قلنا أنى يستقيم ذلك وقد علم أنهم يعصونه ويهلكون أنفسهم ويهلكون أولياءه وأنبيائه ويشقون شقاوة لا يسعدون بها أبدا ولو علم سيد عن وحي أو أخبار نبي أنه لو أمد عبده بالمال لطغى وأبق وقطع الطريق فأمده بالمال زاعما أنه يريد منه ابتناء القناطر والمساجد وهو مع ذلك يقول أعلم أنه لا يفعل ذلك قطعا فهذا السيد مفسد عبده وليس مصلحا له باتفاق من أرباب الألباب فقد زاغت الفئتان وضلت الفرقتان واعترضت إحداهما على القواعد الشرعية وزاحمت الأخرى أحكام الربوبية واقتصد الموفقون فقالوا مراد الله من عباده ما علم أنهم إليه يصيرون ولكنه لم يسلبهم قدرتهم ولم يمنعهم مراشدهم فقرت الشريعة في نصابها وجرت العقيدة في الأحكام الإلهية على صوابها, فإن قيل كيف يريد الحكيم السفه فقد أوضحنا أن الأفعال متساوية في حق من لا ينتفع ولا يتضرر ولكن إذا أخبر أنه مكلف مطالب عباده مزيح عللهم فقوله الحق وكلامه الصدق وأقرب أمر يعارضون به أن الحكيم منا إذا رأى جواريه وعبيده يمرج بعضهم في بعض وهم على محارمهم بمرأى منه ومسمع فلا يحسن تركهم على ما هم عليه والرب سبحانه يطلع على سوء أفعالهم ويستدرجهم من حيث لا يعلمون ثم قال قد أطلقت أنفاسي ولكن لو وجدت في اقتباس هذا العلم من يسرد لي هذا الفصل لكان وحق القائم على كل نفس بما كسبت أحب إلي من ملك الدنيا بحذافيرها أطول أمدها" انتهى كلامه بلفظه وهذا توسط حسن بين الفريقين وقد أنكره عليه عامة أصحابه منهم الأنصاري شارح الإرشاد وغيره وقالوا هو أقرب من مذهب