أظهر الأدلة على بطلانه وفساده فلو أنهم ذكروا القدر والمشيئة توحيدا له وافتقارا والتجاء إليه وبراءة من الحول والقوة إلا به ورغبة إليه أن يقيلهم مما لو شاء أن لا يقع منهم لما وقع لنفعهم ذلك ولفتح لهم باب الهداية ولكن ذكروه معارضين به أمره ومبطلين به دعوة الرسل فما ازدادوا به إلا ضلالا والمقصود أنه سبحانه قد فرق بين حجته ومشيئته وقد حكى أبو الحسن الأشعري في مقالاته اتفاق أهل السنة والحديث على ذلك والذي حكى عنه ابن فورك في كتاب تجريده لمقالاته أنه كان يفرق بين ذلك قال:"وكان لا يفرق بين الود والحب والإرادة والمشيئة والرضا وكان لا يقول أن شيئا منها يخص بعض المردات دون بعض بل كان يقول أن كل واحد منها بمعنى صاحبه على جهة التقييد الذي يزول معه الإبهام وهو أن المؤمن محبوب لله أن يكون مؤمنا من أهل الخير كما علم والكافر أيضا مراد أن يكون كافرا كما علم من أهل الشر ويحب أن يكون ذلك كذلك كما علم وكذلك كان يقول في الرضا والاصطفاء والاختيار ويقيد اللفظ بذلك حتى لا يتوهم فيه الخطأ" انتهى والذي عليه أهل الحديث والسنة قاطبه والفقهاء كلهم وجمهور المتكلمين والصوفية أنه سبحانه يكره بعض الأعيان والأفعال والصفات وإن كانت واقعة بمشيئته فهو يبغضها ويمقتها كما يبغض ذات إبليس وذوات جنوده ويبغض أعمالهم ولا يحب ذلك وإن وجد بمشيئته قال الله تعالى: {وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ} وقال: {وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} وقال:: {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} وقال:: {لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} وقال:: {وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} وقال:: {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} فهذا إخبار عن عدم محبته لهذه الأمور ورضاه بها بعد وقوعها فهذا صريح في إبطال قول من تأول النصوص على أنه لا يحبها ممن لم تقع منه ويحبها إذا وقعت فهو يحبها ممن وقعت منه ولا يحبها ممن لم تقع منه وهذا من أعظم الباطل والكذب على الله بل هو سبحانه يكرهها ويبغضها قبل وقوعها وحال وقوعها وبعد وقوعها فإنها قبائح وخبائث والله منزه عن محبة القبيح والخبيث بل هو أكره شيء إليه قال الله تعالى: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً} وقد أخبر سبحانه أنه يكره طاعات المنافقين ولأجل ذلك يثبطهم عنها فكيف يحب نفاقهم ويرضاه ويكون أهله محبوبين له مصطفين عنده مرضيين ومن هذا الأصل الباطل نشأ قولهم باستواء الأفعال بالنسبة إلى الرب سبحانه وأنها لا تنقسم في نفسها إلى حسن وقبيح فلا فرق بالنسبة إليه سبحانه بين الشكر والكفر ولذلك قالوا لا يجب شكره على نعمه عقلا فعن هذا الأصل قالوا أن مشيئته هي عين محبته وإن كل ما شاءه فهو محبوب له ومرضى له ومصطفى ومختار فلم يمكنهم بعد تأصل هذا الأصل أن يقولوا أنه يبغض الأعيان والأفعال التي خلقها ويحب بعضها بل كل ما فعله وخلقه فهو محبوب له والمكروه المبغوض ما لم يشأه ولم يخلقه وإنما أصلوا هذا الأصل محافظة منهم على القدر فحثوا به على الشرع والقدر والتزموا لأجله لوازم شوشوا بها على القدر والحكمة وكابروا لأجلها صريح العقل وسووا بين أقبح القبائح وأحسن الحسنات في نفس الأمر وقالوا هما سواء لا فرق بينهما إلا بمجرد الأمر والنهي فالكذب عندهم والظلم والبغي والعدوان مساو للصدق والعدل والإحسان في نفس الأمر ليس في هذا ما يقتضي حسنه ولا في هذا ما يقتضي قبحه وجعلوا هذا المذهب شعارا لأهل السنة والقول بخلافه قول أهل البدع من المعتزلة وغيرهم ولعمر الله أنه لمن أبطل الأقوال وأشدها منافاة